النظام يستهدف النساء في ثورة ربيع سورية…!!!
خالد ممدوح العزي
عندما غادرت المخرجة السورية الحالية “نائلة الاطرش” بلادها للدراسة في بلغاريا في بداية الثمانينات من القرن الماضي، ذهبت الى القرية في محافظة السويداء في جبل العرب لوداع جدها المرحوم “سلطان باشا الاطرش”،وعندما طرح الباشا سؤاله الغير متوقع لحفيدته،لماذا تصرين على الذهب إلى الخارج وأنتي فتاة من جبل العرب ومن عائلة محافظة، فكانت إجابتها السريعة من خلال سرعة البديهة التي تتمتع بها الفتاة الشابة،أود السفر يا جدي ،إلى بلغاري لكي أتمكن من متابعة دراستي العليا والحصول على اختصاص جميل جدا وهو الإخراج السينمائي ،لكي أتمكن فيما بعد من توثيق الثورة السورية الكبرى وعرضها على العالم،وحفظها للأحفاد من اجل التذكير الدائم ماذا فعل الأجداد في سورية. لكن الفرق بين الأمس واليوم هو ليست توثيق للحدث من خلال امرأة سورية،لان دور الريادي في ثورة سورية الجديدة لم يقتصر على الرجال كالعادة حسب المجتمع ألذكوري الذي نعيش في ظله ،بل تعدى ذلك من خلال الدور الريادي التي تلعبه النساء السوريات في مسار الثورة السورية الجديدة إلى تجتاح كل القطر السوري.
لقد لعبت النسوة السوريات دورا مميزا في الانتفاضة الشعبية السورية، في ظل الثورة التكنولوجية والإعلامية السريعة التي تسيطر على العالم. فالإعلام الاجتماعي،أو التواصل الاجتماعي كان للمرآة دورا ايجابيا فيها من خلال قدرة النساء من استعمال هذه الوسائل الإعلامية للتعبير عن دورهم وأفكارهم وتحررهما في مجتمعنا العربي . ويعود هذا بالأساس إلى حالة الوعي التي بدأت تسود وتتبلور في المجتمعات العربية النائية عامة وسورية خاصة ،والذي يعود بالأصل إلى ارتفاع مستوى التعليم وتحديدا عند النساء وانخفاض حالة الخصوبة ،وهذا ما ساعد في انتشار الديمقراطية في العالم “والطلب المتزيد عليها اليوم في دولنا العربية” ،طبعا هناك علاقة مثيرة بين انخفاض الخصوبة والتحرك السياسي .و التي تدل هذه المؤشرات على أن الإنسانية على وشك التخلص من التخلف من خلال التمثل بالتعليم العالي ومحو الأمية وتنظيم الخصوبة هما سببا رئيسيا لدى النساء تحديدا في العالم العربي خصوصا لتطوير مفهوم الوعي الفردي ،الذي يصعب على الحكم الحالي في الدول العربية من السيطرة عليه والتحكم به، فالمطالبة بالحرية والديمقراطية والمساواة والتطلع نحو التطور الاجتماعي،والذي أصبحت هذه المطالب، مطالب طبيعية في ظل العولمة التي يعيش العالم في ظلها،لكن هذه المطالب اصطدمت بأنظمة استبدادية قمعية تحاول منع تحقيق هذه المطالب من خلال اقتل والفتك بالشعب .
وبناءا لتطور وتقدم حالة المرأة السورية الاجتماعية والثقافية والسياسية والحقوقية ، أضحت عنصرا فعالا في مجتمعنا الذي لا يزال في طور البداية الانتقالية نحو التجديد والتغير الديمقراطي، لذا كانت النساء تتعامل مع الثورة السورية من منطق تابت بأنها إحدى ركائزها وليس تابعة فيها.
لقد شاركت النساء في المظاهرات والمسيرات التي تشهدها قرى ومدن سورية بطريقة مميزة من خلال الهتافات، وصناعة الشعارات والخروج إلى الشوارع بظل القمع والقتل والبطش الذي يقوم به النظام السوري على يد عصابات وفرق الموت وكتائبه الأمنية والشبيحة التي يرعها النظام وقد رفعت اللافتات التي كتب عليها المرآة تريد تغير النظام. لم يكن نصيب النساء أفضل من الرجال ، لقد تعرضت النساء في المظاهرات الاحتجاجية لإطلاق الرصاص الحي الذي أردهن قتيلات وجريحات ،وكلنا يذكر مظاهرة بناياس النسائية التي سقط فيها العديد من الشهيدات والجريحات وتم اعتقال الناشطة السياسية كأثرين التللي، ،وكذلك خروج النساء في شوارع درعا لفك الحصار عنها ومظاهرة دمشق للنساء الصامتات .
وهن السؤال يطرح نفسه بقوة ؟؟؟هل نساء درعا اللواتي يخرجن في التظاهرات ويطالبن بفك الحصار عن درعا، هن سلفيات؟ وخاصة في أخر تظاهرة جرت في درعا، عصر 26.04.2011 والذي يظهر كذب النظام، وهل في شعارات التظاهرات النسائية ما يشير ولو مجرد إشارة بسيطة على حضور الفكر السلفي بينهن.
لذا تقوم قوات الأمن السورية باستهداف النساء اللواتي في الصفوف الأمامية للمظاهرات الاحتجاجية الشعبية المناهضة للأسد ، فالدور التي تلعبه النسوة في الانتفاضات بالرغم من تعرضهن للاعتقال والتهديدات الأمنية ،إلا أنهن رفضن الالتزام والصمت لقد قاد الرجال في البداية الاحتجاجات المطلبية ،لكن مع اعتقال العديد منهم،ومقتل المئات ،أجبرت النساء السوريات عندها الى تحمل العبء وتولت تنظم الحركات الاحتجاجية تضامنا مع المعتقلين أو مع من قتلوا، فالاحتجاجات النسوية التي عمت بلدات ونواحي سورية، ساهمت بشكل فعلي في تسليط الضوء على ما يحدث في الدولة، فكان رد النظام باستهدافهن بطريقة وحشية وفتاكة.
بنفس الوقت وبظل العنف الذي يمارسه النظام ضد شعبه، لكن النساء في ثورة سورية حضينا بحرية كبيرة جدا من خلال العمل السياسي في أوساط الجماهير الشعبية الثائرة الذي فرضن عليه تقدير دورهن المميز،لقد عملت النساء في الصحافة الالكترونية، وفي إعداد تقاريرها،وكتبنا ومقالاتهن،كإعلاميات ومدونات وناشطات حقوقيات وسياسيات، وهذا ما عرض الكثير منهن للاعتقال التعسفي، والإهانات الأدبية والأخلاقية والجسدية، التي تعرضنا لهن والتي فرضها عناصر النظام الأمني عليهن،ومحاولة منع حرية التعبير ولجم الكلمة الحرة وإخماد دورهن .
لقد وصل عدد النشطات الذين أوضعن المعتقل أكثر من 20 سجينة سياسية أو سجينة رأي امثال” سهير جمال الأتاسي وناهد بدوية وسيرين خوري وربا اللبواني ودانة إبراهيم الجوابرة وفهيمة صالح اوسي (هيرفين) ونسرين خالد حسن ووفاء محمد اللحام وليلى اللبواني وصبا حسن”،ومنهن لا يزالان خارج قبضة النظام،وهذا ما أكدته الناشطة الحقوقية “رزان زيتونة”والناشطة السياسية ” فرح البقاعي “،ومدونات إعلاميات أخريات ، تم اعتقالهن ،كامنة العبدالله، ودانة جوابرة ،والإعلامية سهير جمال الاتاسي والدكتورة فداء حوراني،وشاعرة الإحساس طلي الملوحي،إضافة إلى النساء الكرديات القابعات في السجون .
ومنهن من رفضن الصمت وساندوا الثورة السورية علنا ” كالمغنية السورية أصالة نصري،والممثلة كندا علوش وجمانة مراد،والإعلامية رولا إبراهيم وأخريات ليس في الإمكانية عرض أسمائهن مع الاعتذار الشديد لهن .
فالنساء السوريات لهن دورا كبيرا في صناعة الثورة السورية الحالية ، انكأن من خلال مشاركتهم المباشرة أو الغير مباشرة ،فالمرآة هي أخت وزوجة وأم ، تساهم في تجسيد الثورة والتي تدفع فلذات أكبادهن إلى ساحة الجهاد، أو المساهمة الميدانية في أعمال الثورة كالدعم الفني الطبي ، والأخلاقي، وتزويد الرجال بالماء والطعام . والصبر المتعالي على تضميد الجراح الذي فرضها النظام عليهن من خلال تلقي جثت الأقارب والأصدقاء، والمثابرة على دفن الموتى والأحزان والجراح.
فالنسوة السوريات، لهن الفضل الكبير في تشجيع الرجال على الاستمرار في ثورة ربيع سورية التي تدخل هذا الأسبوع في شهرها الثالث. مع العلم أن النساء السوريات منذ القدم تعاني من ظلم وجور النظام الاستبدادي البعثي الذي يحد من حرية الشعب السوري بشكل عامة والنساء خاصة ،وهنا نذكر بأحوال السجينات السوريات التي أودعن السجون من خلال تهم مفبركة أو لانتمائهم لأحزاب سورية محظورة “كالأحزاب الكردية ،وحزب العمل الشيوعي ،والإخوان المسلمين”وهؤلاء السجينات يقبعن في السجون والمعتقلات السورية منذ العام 1970 .
وأمام مشاركة النساء السوريات القوية في مسار الثورة السورية،ومن خلال الدور الريادي التي تميزت به المرآة ومازالت تحضي به، لذلك خصصت لها المعارضة السورية جمعة اضربا واحتجاج عرفت ب”جمعة الحرائر”امتنانا لهن في صنع تاريخ سورية الجديد، وتقديرا لهن وفقا لتضحياتهن التي لا تقل أبدا أهمية عن دور الرجال،فالمرآة السورية هي ليست تابعة كما أظهرت الحراك،وإنما جزاء أساسي من حركة التغير التي تسود البلاد والرافضة لسيطرة الاستبداد والشمالية التي تفرض على سورية.
لم يعد يقتصر دور المرآة في سورية على توثيق الإحداث وتسجيلها، بل أصبحت جزاء أساسي من صناعة هذه الأحداث بل هي شريك أساسي في صنع تاريخ سورية الجديد والحديث.
فعندما تتحدث روزان زيتونة أو مرح ألبقاعي إلى الإعلام،فأنهن يتحدثن بطريقة مميزة من خلال السرد والربط للأحداث والنقاش المنطقي العلمي ،يبرعن في عرض وجهة نظر الشارع الغاضب والثائر على السلطة،أفضل بكثير من رجال السلطة السياسيين،” ك رامي مخلوف ممثل النظام وتصريحه الشهير الذي ربط بين استقرار سورية وامن إسرائيل،أو شبيحة النظام الإعلاميين الذين يذرفون كما هائل من الكذب ألمعلوماتي على شاشة التلفزيونات العربية.
و موقف المغنية أصالة نصري الذي بدت فيه أكثر جراءة وتفهما واستشرافا للمستقبل السياسي السوري بروية جديدة ،أفضل بكثير من العديد لزملائها الفنانين الذين لا يزالوا يطبعون القبل على الصور.
أن تطور حركة الوعي الفردي الاجتماعية، من خلال التطور العلمي هو الذي اكسب النساء السوريات توجها فكريا جديدا للمطالبة الحالية بحرية وديمقراطية في بلد غابت عنه الحرية والعدالة طيلة 48 من القمع والإرهاب الفكري والإعلامي بفضل حزب البعث السوري البائد.
نحن أمام حركة وعي جديدة في عالمنا العربي، يلعبن النساء دورا طليعيا من اجل بناء الحياة القادمة لمجتمعاتنا العربية .
والنساء السوريات هم أمام أصعب اختبار من خلال الاستمرار في رفع لواء الثورة للنهوض بسورية الجديدة.
د.خالد ممدوح العزي
كاتب صحافي، محلل سياسي، وخبير في الإعلام السياسي والدعاية