صفحات الناس

النظام يعود إلى المواجهة في الحسكة/ سعيد قاسم

 

 

انتشرت في شوارع مدينة القامشلي بريف الحسكة، في الأيام الماضية، ظاهرة الكتابة على الجدران وتوزيع مناشير مجهولة المصدر، تُعيد إلى الأذهان أجواء الثورة السورية في بداياتها، وإنما بصورة معكوسة هذه المرة.

الممارسات بدأت قبل أسبوعين بتوزيع بيان لتنظيم جديد يُدعى “الجزيرة عربية سورية”، ثمّ ظهرت بعد ذلك شعارات “بعثية” على جدران المدينة، مثل: “كتائب البعث قادمون”. نشاطات حزب “البعث العربي الإشتراكي” في المنطقة الكردية، لم تقتصر على ذلك فحسب، بل أن منظمة “شبيبة الثورة” التابعة للحزب، طالبت حكومة النظام السوري، الأربعاء، بفتح قناة تلفزيونية خاصة بها في المحافظة. وذلك بعد قيام الشبيبة بنشاطات في شوارع مدينتي القامشلي والحسكة، واجرائها لانتخابات، تزامناً مع الانتخابات البلدية التي أجرتها القوى الكردية الرئيسية المسيطرة على إقليم الجزيرة السوري، في 13 آذار/مارس.

وتمتاز مدينة القامشلي بتنوعها الديني والعرقي، وتسيطر عليها “الحكومات الثلاث” بحسب تعبير أهل المدينة. وهذه القوى هي: النظام في المربع الأمني والقسم الغربي، في حين أن “حارة طي” في الجنوب هي بيد قوات “الدفاع الوطني” التابعة لشيخ عشيرة الطي محمد فارس، في حين أن قوات الأمن التابعة لحزب “الإتحاد الديموقراطي” والمعروفة باسم “الأسايش” تسيطر على القسم الشرقي من المدينة.

الأوساط السياسية والثقافية الكردية اتهمت النظام السوري وأجهزته الأمنية وحلفاءه، بالعمل على ضرب النسيج الاجتماعي والعيش المشترك. وأشار عضو الأمانة العامة لـ”المجلس الوطني الكردي” فؤاد إبراهيم، إلى أن هذه الممارسات وما سبقها من اشتباكات بين “وحدات حماية الشعب” و”الدفاع الوطني” كانت مقدمات لخلق فتنة بين العرب والأكراد. وتبع تلك المقدمات هجمات لتنظيم الدولة الإسلامية على القرى الآشورية، والشائعات التي سعى النظام لبثها في المنطقة، حول احتضان القرى العربية لتنظيم الدولة. وأضاف إبراهيم بأن ما تشهده مدينة القامشلي مؤخراً هو بهدف خلق حالة دائمة من الاحتقان وعدم الثقة بين المواطنين، رغم تأكيده بأنه ما من مستقبل لحزب البعث في منطقة الجزيرة.

وأوضح المسؤول في “مركز المجتمع المدني والديمقراطية في القامشلي” عباس موسى، بأن سياسة نظام البعث في منطقة الجزيرة تقوم على مفهوم التخويف من الآخر، المختلف، والنظام يوظف كل أدواته في سبيل شحن المواطنين بثقافة التناحر. وأكد موسى أن لعبة النظام ليست بجديدة، بل ابتدأت إبان الانتفاضة الكردية في آذار/مارس 2004، حين قامت عناصر الأجهزة الأمنية بنهب المحال التجارية العائدة للأكراد في الحسكة والقامشلي، واتهامها المكون العربي بالضلوع بالسرقات. وأشار موسى إلى أن هذه الحالة تكررت في الاشتباكات المؤخرة في مدينة الحسكة.

من جهته أوضح المحامي ونائب هيئة العدل في “الإدارة الذاتية” خالد إبراهيم، بأن الأكراد لا يستطيعون النأي بأنفسهم عن المشاريع الطائفية في المنطقة، وحمّل إيران وتركيا والنظام السوري مسؤولية ذلك. إبراهيم قال بإن حكومات تلك الدول تسعى لخلق الفتن في المناطق الكردية، وبوجه خاص بعد الاستعداد الذي أبداه حزب “العمال الكردستاني” للسير في مشروع السلام إلى النهاية، والاستقرار الذي استطاعت “وحدات حماية الشعب” تحقيقه في المناطق الكردية. وأشار إبراهيم إلى أن إيران أصبحت اللاعب الأساسي في المنطقة، ولها اليد الطولى في كافة تحركات النظام، وبوجه خاص بعد حمايتها لأنظمة دمشق وبغداد وأربيل.

وكان النظام السوري قد أكد، أكثر من مرة، على لسان رئيسه ومسؤولين في حكومته، دعم “وحدات الحماية الكردية”. كما أن الاتفاق بين النظام و”الاتحاد الديموقراطي” على إدارة المناطق الكردية ذاتياً، بات معروفاً لدى الوسط الكردي، بأنه لعب على وتر التناقضات. وأكدت مصادر في مدينة القامشلي، بأن النظام أسس معسكر “طرطب” في محيط مطار القامشلي، وشكّل قوة عسكرية مؤلفة من 25 ألف جندي من العشائر العربية، في المنطقة ذاتها. ثمّ عقد اجتماعاً أمنياً مع العشائر بهدف توسيع المعسكر والسيطرة على جنوب القامشلي ووضع حد للنفوذ الكردي، وذلك بعد سيطرة القوات الكردية على جنوب القامشلي، في تل حميس.

وأشار بعض السياسيين العرب في المنطقة، إلى أن النظام يضرب مكونات الجزيرة العربية ببعضها، حيث أكد الكاتب والسياسي مهند الكاطع، أن البيان المشبوه حول تشكيل منظمة “الجزيرة عربية سورية” يأتي في إطار اللعبة التي يحضّر لها النظام، بغرض إشعال فتيل صراع أهلي مستقبلاً، وجعله “تحت الطلب”. الكاطع أوضح بأنه وبعد اقتراب زوال خطر تنظيم الدولة، فإن النظام سيسعى إلى زرع الفتن من خلال حزب “الاتحاد الديمقراطي” و”الجيش الوطني” و”المغاوير”. و أشار الكاطع إلى أن النظام، بوصفه اللاعب الأقوى في المنطقة، يتعمد البقاء بعيداً عن التدخل المباشر في صراعات القوى الأخرى التي يستخدمها ثم يرمي بها في صراعات بينها.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى