النظام يفاقم أزمة النقل في دمشق/ سلام السعدي
بات مشهداً مألوفاً في العاصمة دمشق، عشرات التجمعات وقد انتشرت بصورة عشوائية في الشوارع والطرق الرئيسية. سوريون يحاولون، دون جدوى، استقلال حافلات الركاب التي انخفضت أعدادها بشكل كبير. ليس هذا فحسب، فالازدحام المروري، وطوابير السيارات التي تعطل حركة السير، والذهاب سيراً على الأقدام إلى العمل والجامعة والسوق، إلخ، كلها باتت من بديهيات الحياة في دمشق.
تعيش العاصمة السورية أزمة نقل حادة ومركبة. إذ تتعدد أسباب تلك الأزمة وتختلط بحيث يصعب الفصل بينها، أو التعامل مع أحدها دون الآخر، فهي جزء من الأزمة العامة التي تضرب الدمشقيين والسوريين عموماً.
وبحسب المكتب المركزي للإحصاء، فقد تواجد في العام 2011 في دمشق نحو 1.7 مليون سوري كقاطنين. غير أن الدمار الهائل الذي لحق بريف دمشق، وقد كان يحتضن في العام 2011 أكثر من 2.7 مليون سوري، أدى إلى نزوح كبير إلى العاصمة، وإلى زيادة سكانية مفاجئة. انعكس ذلك الضغط الديمغرافي الحاد، على قطاع الخدمات الذي يعاني أصلاً من ضعف بنيوي جعل الأزمات جزءاً لا يتجزأ من تكوينه.
هكذا فإن سبب أزمة النقل والازدحام الشديد، بحسب الحكومة السورية، يعود إلى ارتفاع “عدد القاطنين بمدينة دمشق بزيادة 2.5 مليون نسمة عن العام 2011″. وتضيف سبباً آخر يتصل بـ”الإنخفاض الحاد في عدد المركبات المعدة للنقل إلى نحو الثلث، بسبب الاعتداء والتخريب وخروج الكثير من وسائل النقل عن الخدمة، لأسباب تتعلق بمالكيها والسائقين وغيرها من الأسباب”. كما أوضحت أن تلك الأسباب ولّدت “أزمة نقل ركاب حادة ومفاجئة وبظروف عسيرة يتعذر فيها توفير البديل بشكل سريع”.
وبالفعل، فوفقاً للمركز السوري لبحوث السياسات، شكلت خسائر قطاع النقل منذ العام 2011 وحتى منتصف حزيران الماضي، نحو 20 في المئة من خسائر الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة تبلغ 271 مليار ليرة. وعليه فإن جزءاً مهماً من ذلك القطاع بات اليوم خارج الخدمة. غير أن العامل الأول الذي أسس لبداية أزمة النقل في دمشق، كان عاملاً أمنياً بامتياز، وتمثل باستخدام حافلات النقل العام من قبل قوات الأمن في قمع التظاهرات. ولاحقاً، نصب أعداد كبيرة جداً من الحواجز التي قطعت أوصال العاصمة وخنقت الحركة المرورية.
ففي العام 2008، استوردت الحكومة السورية 600 حافلة نقل كبيرة الحجم من الصين. لتضاف إلى نحو 150 حافلة قديمة ومتهالكة، ولتنهي عهد سيطرة حافلات النقل الصغيرة (12 راكباً) على قطاع المواصلات. دخل “الباص الأخضر”، القوي والسريع، الخدمة مباشرة، وقدم حلاً مقبولاً للسوريين في تنقلاتهم. ومع اندلاع الثورة، وازدياد عدد نقاط التظاهر على نحو تطلب سرعة ومرونة أكبر من قبل قوات الأمن لقمعها، استخدم النظام السوري على الفور تلك الحافلات السريعة في نقل قوات الأمن والشبيحة إلى أماكن التظاهر.
وفي غضون أشهر قليلة، اختفت معظم “الباصات الخضراء” من شوارع دمشق، وباتت تشاهد مركونة على جوانب الطرق المحاذية للأحياء الثائرة، وبداخلها عناصر الأمن ينتظرون نقلهم إلى “أماكن العمل” حيث يُبلّغ عن خروج تظاهرة.
كما أسهم ميل السائقين إلى التخلي عن مهنتهم المتعِبة، في انخفاض عدد وسائل النقل في دمشق. إذ يضطر السائقون للوقوف في طوابير طويلة قد تستهلك نصف يوم العمل من اجل الحصول على المحروقات وبأسعار مرتفعة. يضاف إلى ذلك تزايد عدد الحواجز العسكرية وانتشارها كالفطر في مختلف شوارع وحارات دمشق، معطلة الحياة برمتها، حيث يمضي السائقون ساعاتٍ في اجتيازها. الأمر الذي أثقل كاهلهم بمتاعب لا تنتهي، وجعل المهنة غير مجدية اقتصادياً إلى حد كبير.
ويزيد النظام بصورة مستمرة من أعداد الحواجز العسكرية في العاصمة المحاصرة تقريباً من قبل قوات المعارضة. وقد باتت تلك الحواجز شديدة الحذر في تعاملها مع كل من يود عبورها، إذ تدقق في كل التفاصيل. ويتهمها البعض بخلق طوابير من السيارات بشكل مقصود لحماية نفسها من أي استهداف عسكري. كل ذلك يؤدي إلى توقف السير لفترات طويلة جداً، ويجعل من الوصول إلى العمل أو الجامعة أمراً في منتهى التعقيد، حتى لو توافرت وسيلة النقل. هكذا، أصبح مألوفاً للسوريين جميعاً، السير على الأقدام، واستخدام الدراجات الكهربائية، قبل أن تقوم الحكومة بمنع تلك الدراجات التي لا تحمل لوحات، من السير في شوارع دمشق… لأسباب أمنية.
المدن