صفحات العالم

النظم العربية والالتفاف على الثورة السورية

 

سعيـد بوخليـط

لا أحد منا، يتبين حقا حيثيات دعوة الشيخ معاد الخطيب، التي انبجست من تغريدة على حسابه في الفيسبوك، كي تغدو نقاشا سياسيا عاما أثار وسيثير لغطا ، نظرا لما انطوى عليه الموقف من مفاجأة كبيرة قياسا لتقديرات أدبيات الثورة السورية، ثم ارتباطا بالسياقات التي تراكمت طيلة سنتين سواء إيجابا أو سلبا.

ربما، لم يتوقع المتتبعون حتى العارفون منهم بدقائق الأمور، أن الصرخات العلنية لبعض من الشباب السوري في يوم من أيام مارس’2011، استحضارا لحقي الخبز والحرية، ستتولد عنها مختلف هذه التشعبات المعقدة والمتداخلة والعويصة، التي أضفت فعلا على منطقة الشام طابعا كونيا، بحيث يسعى كل فاعل من الفاعلين الدوليين، أن يطرز فيها ما يشاء من الغنائم الجيو-سياسية، وفق طموحات موغلة في الأنانية، والآفاق الميكيافيلية على حساب بقاء وإنسانية السوريين.

لاشك، أن مبادرة الخطيب بفتح قنوات للتفاوض مع بعض عناصر النظام اللينة، غير’الملطخة أياديها بالدماء، وفي مقدمتها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، الذي تحدث الجميع عن تذمره منذ الأسابيع الأولى لاشتعال الثورة حيال ردة فعل الحكم، وبأنه لم يكن بتاتا راضيا عن الاستناد إلى المنطق العسكري.أقول، خطوة كهذه والتي بقدر ما تعكس وصول المعارضة السورية، على الأقل سياسيا إلى عنق الزجاجة، ويأس رموزها من إمكانية التجسيد العملي لسقف الشعار الملوح به طويلا، المتمثل في إسقاط نظام دمشق بمختلف تمظهرات أشكاله ورموزه، والانتهاء كليا من تجربة آل الأسد التي أخرجت بلدا رائعا مثل سوريا من سيرورة الحضارة والتمدن، مقابل تحويله إلى معتقل صحراوي ضخم .بالقطع أيضا، نستشف بين خبايا مبررات خطاب الخطيب ، عجزا عربيا واضحا لانتشال سوريا النازفة قيحا، من يوميات جحيم فرنكشتايني، يكابدها بأسطورة سيزيفية، شعب من أكثر الشعوب التي تستحق الحياة، إن لازال فعلا فوق هذه الأرض ما يبعث على أن نتشبث بالحياة.

لقد أضفى بشار الأسد، في خطابه الأخير، صفة ‘فقاعات صابون’ لاغير، على ماهية الربيع العربي، بالتالي، لاثورة ولاهم يفرحون، علما أن الأمير المدلل نفسه، قد استخلف أباه بناء على التركة الحصينة لـ’المشروعية الثورية’ التي توفرها سوريا ‘البعث’ إلى كل الشعوب العربية مغربا ومشرقا، المغلوبة بإيديولوجيات رجعية والمسحوقة تحت أرجل مستبديها.

هكذا، تابع جلنا تاريخ حافظ الأسد وهو يشهر سيفه الأموي يمينا وشمالا، كي يرجع الحقوق لأصحابها: الحفاظ على جغرافية الجولان مرتعا خصبا لاستراحة الجنود الإسرائليين، تشتيت الصف الفلسطيني، تأثيت مجموع لبنان بقنابل طائفية وحزبية موقوتة، الصراع مع الأنظمة الملكية في المغرب والأردن والإمارات الخليجية، ثم تحدث الثورة الخمينية أواخر السبعينات، فيزيل نهائيا كسوة القومي التحرري ومرتديا بشكل عصابي عباءة التيولوجي العقائدي ليس نتيجة قناعة فكرية ومذهبية، بل للقضاء على صدام حسين غريمه المزعج في المنطقة، باقتلاع شوكته وذلك بسعيه ما أمكنه الأمر من أجل اقتلاع جذور أسباب قوة العراق، فجاءت فتوى مشروعية الدعم اللوجيستيكي والعسكري لما شكل خلال عقود مضت ‘امبريالية واستكبارا عالميا’.

لكن، بشار وقد غسل يديه بالماء والصابون، من درن شيء اسمه تطلعات تاريخية بيولوجية قبل كونها مفهومية للشعوب العربية، أفصح حقيقة جهرا بما يعتمل في نفوس الحكام العرب، وما تتداوله خفية ومضمرا كواليس صياغة القرار الرسمي.

الربيع العربي، الذي استغفل النظم الساقطة لسوء حظها ربما ، شكل في المقابل صفعة للمتبقية كي تعيد تدبيج أولياتها، كل نظام حسبما أوتي في جعبته من مدخرات متبقية، موجهة في الآن ذاته أكفها إلى السماء صباحا ومساء، كي لا تتحقق معجزة الشعب السوري عاجلا أم آجلا، لأن من شأن هكذا أمر، بعث عزيمة الشعوب الأخرى ومزيد من ذيوع العدوى.

بهذا الخصوص، أكدت مجموعة مصادر حين بداية الثورة السورية، أن حكاما عرب همسوا في أذن بشار بضرورة ردعه للمتظاهرين وعدم رضوخه لمطالبهم. لكن، عندما لاحظوا استماتة السوريين ورغبتهم الجامحة في التحرر، شعروا بالحرج واضطروا بدورهم أن يحاولوا إدراك على الأقل لغويا وإعلاميا، دعاوي قاموس يكرهونه تنسجه مفردات الحرية والكرامة، إلخ.

إذن، لم يكن من باب الاختلال، أن يتم التعامل مع محنة السوريين بقمم الشعارات العكاظية، حيث اللغة تحاور نفسها بطريقة عبثية وتستدل على متوالياتها فقط بالانسجام مع بروتوكولات كاميرات للدعاية المجانية. بل، وجدوا في مأساة السوريين وتشردهم، عبرة لمن لا يريد أن يعتبر حيث عود على بدء: أنا الديكتاتور أو الطوفان من بعدي.’

‘ كاتب مغربي

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى