النفاق الأميركي من العراق إلى ولاية ميسوري/ روجر أوين
أثارت عودة الرئيس باراك أوباما لفترة وجيزة إلى واشنطن من إجازة شهر آب (أغسطس)، بغية معالجة أزمة شمال العراق وأزمة قيام الشرطة بإطلاق النار في بلدة فيرغسون الصغيرة في ولاية ميزوري، عدداً من الأسئلة المهمّة والمثيرة للاهتمام، سيّما بشأن سلسلة الروابط الواضحة والغريبة بينهما، ففيما سعت الولايات المتحدة إلى دعم الحكومة المنتخبة ديموقراطياً في مكان، قامت بالاستعانة بقوة كبيرة مؤلفة من رجال شرطة مدجّجين بالأسلحة للسيطرة على الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في مكان آخر.
بداية، برزت حالة واضحة من الهلع في الولايات المتحدّة عند رؤية القوات التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تقود شاحنات نقل بيضاء اللون من طراز «تويوتا» باتجاه بغداد. وتفاقم هذا الشعور جرّاء الإخفاق غير المتوقّع لقوات «البشمركة» الكردية في ثني مقاتلي «داعش» عن الاستيلاء على سدّ الموصل ونتيجة عجز الإدارة الأميركية عن تبرير التدخّل العسكري من جديد في بلد انسحبت منه أميركا بشكل رسمي قبل بضع سنوات بعد أن أنهكتها الحرب التي شنّتها بناء على مجموعة من الذرائع اليائسة وغير المقنعة التي لاقت استهجان الخبراء القانونيين أو المراقبين العقلاء الذين سعوا إلى فهم ما الذي كان يحصل بالفعل والذين لم يكن بحوزتهم سوى مجموعة من التقارير الافتراضية من بعض المراسلين الموجودين في منطقة أربيل الآمنة.
تكمن المشكلة الرئيسية بالطبع في كيفية شنّ حرب داخل بلد أجنبي من دون تسميتها حرباً. خلال الأزمة السورية حول الأسلحة الكيميائية في شهر أيلول (سبتمبر) 2013، يبدو أنّه تمّ إقناع أوباما بعدم إطلاق صواريخه بحجة أنّ هذا التحرك سيعتبر شبيهاً بعملية شنّ حرب. لكنّه اتّبع في العراق ما تمكن تسميته بالمسار الإسرائيلي، بحيث يتمّ إطلاق «عملية» عسكرية بناءً على مزاعم بوجود مخاطر داهمة. وفي هذه الحالة، ثمة خطر على المجتمعات المحلية، مثل المسيحيين والأيزيديين العراقيين وعلى مجموعة أخرى من الأشخاص المحليين، مثل الموظفين الأميركيين في السفارة في بغداد وفي محيطها.
واليوم، تمّ استخلاص عِبَر مهمّة من اتباع المثال الإسرائيلي. على سبيل المثال، هناك تبعات مهمّة للإعلان رسمياً عن شن حرب من وجهة نظر القانون الدولي، لا سيّما لجهة اعتبار البلد الذي يشنها معتدياً وأعضاء حكومته مجموعة من مجرمي الحرب. كما ستتمّ معاملة الأعداء الذين يتمّ القبض عليهم، أو أقلّه الأشخاص الذين يرتدون زياً معروفاً، كسجناء حرب، فضلاً عن إمكان المطالبة بتعويض في المستقبل من الدولة التي شنّت هجوماً.
لا شكّ في أنّ الإخفاق في إعلان الحرب له عدّة تأثيرات سلبية، فهو يضع البلد المعنيّ على خلاف في الأمم المتحدّة مع مجلس الأمن، الذي لا يعتبر أنّ المزاعم حول حماية الأقليات المعرّضة للخطر تعطي حقاً فورياً باستخدام القوة من أجل تفادي حصول كارثة إنسانية في دولة أخرى من دون إذنها المسبق. كما يواجه رئيس الدولة المعنية خطر تصنيفه على مستوى متدن مثل ما حصل مع الرئيس الروسي بوتين بسبب التدخّل الأحادي الجانب، عبر اللجوء إلى عرض القوة العسكرية بأنانية مطلقة، أو أقلّه بسبب الاتهامات التي لا مفرّ منها بالنفاق وبازدواجية المعايير على صعيد استخدام قاعدة القانون الدولي وإساءة استخدامها.
يبدو أنّ النفاق وازدواجية المعايير لعبا دوراً في انزعاج الرئيس أوباما الواضح عند رؤية رجال الشرطة المسلحين يسيّرون دوريات في شوارع إحدى البلدات الأميركية ومعهم رخصة خطيرة تقضي بإطلاق النار للقتل. ومن هنا سبب عودته السريعة إلى واشنطن قاطعاً إجازته وقراره تسليم مهام حفظ النظام في فيرغسون بولاية ميسوري إلى مكتب التحقيقات الفدرالي. لكنّه ألحق ضرراً بسمعته كمدافع عن الحريات المدنية، لا سيّما حين بات معروفاً على نطاق واسع أنّ الشرطة تستخدم ما تعلّمته من الإسرائيليين وتستعمل الآليات المصفحة التي كان من المفترض أن يتمّ استخدامها في العراق.
في هذا الوقت، كان يجدر بأوباما معالجة مشكلة الدفاع عن نفسه ضد الاتهامات الموجهة إليه بالسماح بما سمي بـ «توسّع مهمّة البعثة» في العراق حيث يعتبر الخبراء العسكريون الأميركيون أنّ تحقيق السلام في هذا البلد لا يتمّ إلا في حال تمّ نشر بضعة آلاف من الموظفين العسكريين الأميركيين ميدانياً، من مراقبين وعناصر استخبارات وخبراء في العمليات الخاصة إلى جانب أولئك الذين يساهمون أصلاً في تدريب الجهاز العسكري العراقي الكبير وغير الفاعل. لا تحظى أميركا بسجّل إنجازات جيّد في هذا الميدان. لكن، ما من قوة عظمى سجلت إنجازات جيدة في حقبة ما بعد الاستعمار حين كانت المشاعر الوطنية قوية وحين كان الدفاع عن الدول ذات السيادة أساسياً للخير السياسي. لا عجب من الحذر الكبير الذي يظهره البريطانيون في مواجهة كافة المشاكل المشابهة التي برزت جرّاء الغضب الشعبي من الجرحى الذين سقطوا في ساحة المعركة خلال حربي العراق وأفغانستان.
ومن هنا يمكن تفسير مشاعر الهلع التي برزت في أميركا جرّاء هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ومشاعر الانزعاج وربما مشاعر الارتياح التي شعر بها السياسيون القادرون على الانتقال بسرعة إلى الحديث عن موضوع أقلّ حرجاً، مثل عربات «الهامفي» التي كانت تجوب شوارع فيرغسون. من الممكن معالجة هذه المشكلة على الصعيد السياسي المحلي، وفي هذه الحالة ذهبت المشكلة بعيداً، كونها كشفت عن حصول عملية غير مألوفة قضت بتزويد قوات الشرطة المحلية بمعدات عسكرية للسيطرة على أعمال الشغب وقد أبدت هذه القوات فرحاً كبيراً باستخدامها.
* أكاديمي بريطاني – جامعة هارفارد
الحياة