النقد المستحيل/ فوّاز حداد
هل يصلح ما يُكتب في الصحافة الثقافية من نقد أن يكون دليل القارئ إلى الكتاب الجيد، أم أنه يُكتب لمجرِّد الدعاية؟
لا مبالغة في القول، إن عدد النقّاد العرب الذين يكتبون بين آونة وأخرى في الصحافة الثقافية، وبشكل غير منتظم، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ويندر أن يهتمّوا بالنتاج الأدبي من الرواية والقصة والشعر، فهم منصرفون إلى مشاغلهم الأكاديمية في الجامعة، وقد تكون الإدارية، وربما لديهم مشاريعهم الكتابية في التنظير الأدبي.
لا يستطيع الناقد التفرّغ للكتابة في الصحافة الثقافية، فهي ليست وظيفة تدر دخلاً معقولاً ولا مضموناً، وإذا كان قد واظب على الكتابة النقدية في بدايات مهنته؛ فلأسباب تنتفي بعدما حقّق سمعة بين القرّاء والمهتمّين بالشأن الثقافي.
قد يتمثّل المكسب في دعوته إلى مهرجانات وندوات ولجان تحكيم، وهي نشاطات لا تؤخذ بالجدية اللازمة بعد التعرّف إليها عن قرب، لأن الفاعلين الحقيقيين هم مراكز القوى الإدارية الثقافية ذات العلاقة الواهية بالأدب، ومن المؤسف أنها لا تقدم إلا ما يعيق العمل الأدبي وأكثر ما تهتم به هو الأضواء والبهرجة، باستعادة مكانة الأدب بعد تجاهل طويل بالمهرجانات وبنجومية زائفة، مع أن أكثر ما يسيء إليه هو الزيف. الأدب الحقيقي أبعد ما يكون عن الضجيج للضجيج، فهو ليس تقليعة، إنه عمل يحفر في الصخر، وهي ليست عبارة إنشائية، إذ إن الواقع العربي أشدّ ممانعة من الصخر.
أغلب النقّاد تركوا مسؤولية الحراك الثقافي الراهن، ومنذ عقود، لصحافيي الجرائد الثقافية، وفي هذا عبء كبير، يفيض عن قدراتهم، لافتقادهم العدّة النقدية، وضعف تأهيلهم الثقافي، وأكثر ما يستطيعون ممارسته لا يزيد عن نقد انطباعي، وأحياناً مزاجي، والأسوأ أنهم، مع الوقت، يصبحون ضليعين بهذا النوع من النقد المكرّس للمجاملات والعلاقات الشخصية مع الكتاب ودور النشر، ثم مع المزيد من الخبرة، يصبح النقد معبراً إلى عقد صلات منفعية متبادلة مع عواصم عربية صحافتُها الثقافية على النمط نفسه.
ولا يعود النقد الهزيل أكثر من تعريف بالكتاب، وهو أمر جيد لو اقتصر على هذا الهدف، لكنه يتعدّاه إلى الإطناب في مديحه، وإضفاء أهمية عليه، أو تبخيسه لاعتبارات كيدية، ما يضلّل القرّاء.
التضليل الإضافي، مثله مثل الجوائز الأدبية التي تتحكّم في جمهور القرّاء، يُغفل الكثير من الأعمال الجيدة لاعتبارات لا تمت للرواية بصلة، وهذا حديث يطول. غير أن الملاحظ هو إجادة الدعاية للجوائز، بمجرّد أن تفوز رواية تنطلق على الفور جوقة هائلة من الأصوات المادحة، وللأمانة من دون تنسيق بينهما، إذ من المفروغ منه وضع الرواية في مصاف “الخلود”، كاستعارة من القادة الخالدين.
وهي مهزلة كان من الممكن ألّا تحدث وألّا تتكرّر، لو توفرت لجان تحكيم علاقة أعضائها بالرواية ليست هامشية. إن قراءة الرواية والحكم عليها يحتاج إلى ثقافة وخبرة واطّلاع وتمرّس في النقد، وهذا مفتقد.
العربي الجديد