الهجمة على الائتلاف السوري!/ فايز سارة
لا شك أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا يحتاج إلى نقد، ونقد الائتلاف يمكن أن يكون متعددا ومتنوعا. فهو نقد لا يقتصر على الموضوع السياسي، بل يشمل الموضوعات التنظيمية والنشاطات الجماهيرية إضافة إلى موضوعات أخرى، قد يكون من الصعب حصرها، لأن الموضوعات الواقعة في حيز اهتمام الائتلاف هي موضوعات الشعب السوري، لأن الائتلاف بما يحويه من تمثيل لقوى سياسية وشعبية وعسكرية وشخصيات وطنية، ظهر ونُظر إليه باعتباره ممثلا للشعب السوري، وهي صفة اعترفت بها عشرات من دول العالم بينها دول عربية وإسلامية وأخرى أوروبية وأميركية، وهذا بين عوامل تجعل من نقد الائتلاف وأداء الائتلاف ضرورة حقيقية، ينبغي أن تمارس علنا عبر كل الوسائل المتاحة خاصة في الإعلام.
غير أن نقد الائتلاف – بما في ذلك نقد شخصياته – أمر مختلف عما يتم من هجمات على الائتلاف وعدد من شخصياته، والأهم فيها ما يتم القيام به عبر الشبكة الإلكترونية سواء منها ما تقوم به مواقع إلكترونية، أو ما تسعى إليه صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها موقع «فيسبوك»، والتي تركز على الإساءة للائتلاف وشخصياته والتشهير بهم إلى أقصى الحدود عبر حملة من الأكاذيب والادعاءات والكثير منها غير أخلاقي وغير موضوعي.
ورغم أن نتائج الهجمة تصب في هدف رئيس هو السعي إلى تدمير الائتلاف وقياداته، فإن المشاركين في الهجمة متعددون متنوعون، وليس صحيحا أنهم جميعا من سدنة نظام الأسد وشبيحته والمنخرطين في إطار استراتيجية القتل والتدمير والتهجير التي يتابعها ضد السوريين، إنما بينهم – إضافة لما سبق – أشخاص عاديون من السوريين، وفيهم مقربون من الائتلاف وبعض من أعضاء فيه، وآخرون كانوا حتى الأمس بين قيادات الائتلاف.
ولا شك أن اختلاف المشاركين في الهجمة على الائتلاف يعني وجود اختلافات تفصيلية في أهدافهم، رغم التوافق في الهدف العام. والأساسي في هدف سدنة نظام الأسد من الهجمة هو تدمير الكيان الرئيس للمعارضة السورية وشخصياتها المنخرطة فيه، والإساءة إليه بأقصى الحدود الممكنة، أما هدف مقربي الائتلاف والأعضاء فيه فهو مواجهة القيادة الحالية للائتلاف والتشهير بها وبمواقفها السياسية، رغم أن مجيء القيادة وخيارات الائتلاف السياسية تم بالوسائل والأساليب الديمقراطية ووفق القواعد المتفق عليها وبحضور بعض أعضاء هذا الفريق من المشاركين في الهجمة.
أما القسم الثالث من المشاركين في الهجمة فهو الأكثر إشكالية، إذ إن المنتمين إليه لا يجمعهم رابط إلا مشاركتهم في الهجمة، بعض هؤلاء من أبناء الثورة الخلص والمخلصين الراغبين في الوصول بالثورة إلى غايتها النهائية في تغيير النظام وبناء نظام ديمقراطي جديد أساسه الحرية والعدالة والمساواة، وهناك آخرون قلقون مما صار إليه الحال السوري في مجالاته المختلفة، لديهم كل الرغبة في وقف التداعيات المدمرة والخلاص من الوضع الراهن، والبعض ليس لهم من مشاركتهم إلا الرغبة في الظهور، والقول إنهم حاضرون في قضية هي محط اهتمام وعناية السوريين من زوايا مختلفة.
ومما لا شك فيه أنه لا يمكن تغيير أو تبديل موقف سدنة النظام وشبيحته في الهجوم على الائتلاف وشخصياته، لأن ذلك في صلب استراتيجية النظام في تعامله مع عموم السوريين ومع المعارضة والائتلاف بشكل خاص نظرا لما يشكله في أهدافه وفي أدواته من بديل منتظر لسلطة القتل والدمار والتهجير. أما احتمالات تغيير موقف مقربي الائتلاف والمشاركين فيه فتبدو ممكنة، إذا أدرك هؤلاء الكم الكبير من الأخطار المحيطة بقضية الشعب السوري وبالمعارضة وبالائتلاف، وما يمكن أن تلحقه الهجمات المعادية وغير الموضوعية بالائتلاف من خسائر جراء انخراطهم إلى جانب سدنة النظام في الهجوم على الائتلاف وشخصياته، والأمر في هذا ينبغي أن يكون موضع نقاش داخل الائتلاف عبر الشخصيات والمكونات مشاركة في الائتلاف، وينبغي إخراج الادعاءات والإشاعات والاتهامات، وكل ما هو شخصي وما له بتدخلات وأجندات إقليمية ودولية من النقاش، ليكون نقاشا حرا وموضوعيا ومرتبطا بالقضية وبالمصلحة السورية ليس إلا، وهو ما يضمن ليس عدم مشاركة هذا الفريق بهجمات لاحقة على الائتلاف، بل أيضا انخراطه بشكل فعال في قيادة وإدارة الائتلاف ودفعه قدما على طريق تحقيق أهدافه.
أما القسم الثالث من المشاركين في الهجمة فأكثرهم يمكن أن يخرجوا منها إذا توجه إليهم الائتلاف عبر شروحات وإيضاحات، تتصل بالموضوعات والمواقف السياسية والقضايا الإجرائية، وأوضح لهم الظروف والشروط التي يعمل من خلالها وهي شروط صعبة ومعقدة، تحتاج إلى شرح وتفصيل، يكون بين أهدافه تحشيد مزيد من السوريين ليس لفهم جوهر المشاكل التي يواجهها الائتلاف ومجمل المعارضة، إنما أيضا ما يواجهه الشعب السوري وقضيته، وهذا سوف يسهم في تخفيف أثر الادعاءات والأكاذيب والإشاعات، التي يجري بثها حول الائتلاف وشخصياته، ومنها ما يشاع عن الفساد والتبذير ونهب المال العام، وكلها أمور يمكن أن تحصل، لكن الأهم تأكيد الائتلاف رغبته في الوصول إلى معلومات تثبت ذلك ليتم التحقيق فيها ومحاسبة المرتكبين أيا كانت مواقعهم ومسؤولياتهم وبصورة علنية.
خلاصة الأمر أن الائتلاف كيان من بشر، يمكن نقده، بل إن نقده يقع في باب الواجبات السورية، وهذا مختلف عن الهجوم عليه بهدف تدميره، وإن كان هناك من يتعمد ذلك بصورة مؤكدة ووظيفية، فإن على المشاركين الآخرين التدقيق في مواقفهم ونتائجها وتغييرها، وعلى الائتلاف نفسه أن يساعد في خلق بيئة مساعدة عبر الانفتاح والنقاش والشفافية والوقوف عند الأخطاء ومحاسبة المرتكبين أيا كانوا.
الشرق الأوسط