صفحات العالم

الهدنة الأولى


ساطع نور الدين

ما بعد التوقيع لن يكون مختلفا عما قبله. ليس هناك ما يوحي بأن النظام السوري ينوي مراجعة حلوله الأمنية التي تسببت في تفاقم الأزمة السياسية. وليس هناك ما ينبئ بأن الجامعة العربية تملك القدرة على نقل سوريا من حالة الأزمة الى حالة التسوية.. كما ليس هناك ما يشير الى ان روسيا التي تقف وراء التوقيع السوري حصلت على التفويض العربي او الدولي لرعاية تلك التسوية، وتخلت عن موقعها كطرف لتصبح وسيطا.

الموافقة السورية على نشر المراقبين العرب هي اشبه بهدنة في حرب لم ولن تحسم على خطوط الجبهات. هي بالتأكيد اختبار للنظام اولا، ومدى استعداده لسحب الجيش الى الثكنات وإعادته الى “حدود الخامس عشر من آذار” و”إطلاق المندسين السياسيين” على ما جاء في بعض اللافتات المرفوعة من قبل المتظاهرين السوريين.

قد لا تتكرر التجربة اللبنانية مع اتفاقات الهدنة وفرق المراقبة واللجان الامنية، ثم مع ظاهرة العناصر غير المنضبطة التي كانت على الدوام تبدد آمال اللبنانيين، لكن الافتراض ان نشر المراقبين العرب في شوارع سوريا يقرب موعد نهاية الأزمة لا يستقيم مع القراءة الأولية التي قدمتها السلطة والمعارضة لتوقيع البروتوكول ومع التوقعات النهائية التي وضعت من قبلهما وكانت متناقضة الى حد لا يسمح باي حلول وسط.

من جانب السلطة ، كان المطلوب من المراقبين العرب ولا يزال هو الاعتراف بوجود عناصر مسلحة وبالتالي بدول او جهات خارجية تقدم السلاح والمال وتخدم المؤامرة. والاهم من ذلك الاعتراف الحصول على تبرير عربي ودولي للمضي قدما في الحملة الأمنية والعسكرية على المعارضين السوريين على اختلافهم ، قبل اعادة من يبقى ومن يرغب منهم الى طاولة الحوار تحت سقف الوطن، حسب التعبير الرسمي الأثير.

جانب المعارضة لم يكن اقل توهما وحتى تطرفا في توقعاته. كان المطلوب من المراقبين العرب ولا يزال هو وقف حملة القمع وإطلاق المعتقلين السياسيين والحريات السياسية والتمهيد لعملية انتقالية تتولى فيها الجامعة العربية توفير المخرج المناسب للنظام وللرئيس، ومن دون حوار مع اي منهما.. واذا ما تعثر هذا البرنامج يتم طلب التدخل العسكري الخارجي، الذي تواضع المعارضون من توجيهه الى واشنطن وحلف الاطلسي الى العرب، بالصيغة السيئة الذكر اي قوات الردع العربية التي يفترض ان يكون السوريون اكثر ادراكا لمحاذيرها ومخاطرها من اشقائهم اللبنانيين .

حتى الان ليس هناك حل عربي للازمة السورية. وهذه نقطة الإجماع الوحيدة بين جميع أطرافها من دون استثناء. النظام لا يثق باشقائه العرب مع انهم ملاذه وخلاصه الوحيد. والمعارضة لا تأمن للعرب ولا تأتمنهم، وهي تميل الى القوى غير العربية لا سيما الاتراك والاوروبيين والاميركيين لضمان التغيير في سوريا وحمايته، وهي فقط مصيبة في تقدير وحيد هو انه لن يكون لروسيا دور في صياغة المستقبل السوري!

هي مجرد هدنة اولى ستليها هدنات عديدة قبل ان تنتهي الأزمة في الشارع السوري حيث بدأت وما زالت مستمرة بمعزل عن اي مبادرات خارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى