الهروب من مواجهة آخر آثار النظام….
فاضل الخطيب
ما زلنا أسرى عقلية المؤامرة والشيزوفرينيا الناتجة عنها. غالبية المناهضين وبأصوات عالية للامبريالية، يعملون ما بوسعهم كي تلد نساءهم في رأس “الامبريالية” أمريكا، يسعون لاكتساب جنسيتها لأبنائهم، ويتمنى بعضهم أن يحصل –حتى- على عفن ونفايات حضارتها.
تسارع الدول “الامبريالية” وبلا استثناء في وقت الكوارث الطبيعية وحروب “الثوريين” ضد شعوبهم لتقديم المساعدات للضحايا. ورغم الثورة الإعلامية وكشف ما كان بالأمس أكثره مغطّى، مازالت أكثرية أبناء شعوبنا تحفظ خطاب أنظمة القمع التي حفظتنا إياه زوراً عن الدول “الامبريالية”. تتباكى لصداقة “الامبريالية” وودّها ليلاً، ونهاراً تصدر البيانات الحربجية المنافقة ضدها، وفي نفس الوقت تقدم لها امتيازات وتنازلات بدون موافقة ومراقبة الشعب. وحتى هذا المصطلح الماركسي عن الإمبريالية هل مازال يعبّر عن نفسه في واقع اليوم وتحت ظل العولمة؟.
يجر الأسد سوريا إلى حرب أهلية أو تدخل أجنبي مباشر. القتل والاعتقال واحتلال المدن وإرهاب المواطنين مستمر ولا قدرة على إيقافه ذاتياً ومن الداخل فقط لأن الثورة سلمية، ويجب أن تبقى كذلك، هذا الداخل الذي يزداد فيه الطاغية يوماً بعد يوم قتلاً وبهيمية ضد الشعب المتظاهر سلمياً.!.
كنا نردد خلفهم مصطلح النكسة عن أكبر هزيمة عسكرية وأخلاقية وفكرية عاشتها بلداننا، على اعتبار “النكسة” هي وعكة صحية أو مرضية مؤقتة، ومازال نفس التعبير حتى بعد استمرار الوعكة المؤقتة لنصف قرن!.
العالم المتمدن اليوم هو الدول “الامبريالية”، وهي خالية من الجوع والقمع والفساد المنظم، خالية من الحزب الواحد والفرد الواحد والفكر الواحد، خالية من غريزة القطيع والتخلف والجهل، فيها أفضل مستوى رفاهية وتعليم، وإليها يحلم بالهروب والعيش فيها غالبية مواطني ومناضلي أعداء الامبريالية!. لا أعرف، أهوَ صعوبة في الرؤيا أم في الفهم، أم في شجاعة إعلان الطلاق مع تلك التراهات والسخافات؟. أم هو القصور في التمييز بين تلقيّ المعلومات وبين تفسيرها، أم هو بقايا آثار “العدوان” الفكري التشويهي لإيديولوجية القمع والإذلال والتي ربما تأصلت في بعض الجينات البشرية؟..
ذابت الألوان في الجبل، وانتحرت في اللون الرمادي! صارت شمسنا وغيومنا ونجومنا رمادية، صارت عمامات وقضاضات أكثر الرجال /الرجال و”فوط” نساءهم رمادية، صار الجبل وبيارقه وعنب إلهه العاقل رمادياً! وفي المقابل لم تزداد قشرته الرمادية “تجعلكاً”!. تجعلَكنا أكثر إلاّ في القشرة الرمادية مع الأسف.!.
لماذا كل هذا العداء للغرب ولا نستطيع الاستغناء عنه حتى في ميكروفونات شتمه؟ يقولون أن له مصالح وأجندات في بلادنا، ونقول لهم، بل للغرب ولكل دول العالم مصالح وأجندات في كل دول العالم، وهناك ازدواجية أحياناً في مواقفها! ما نريده أن تكون تلك المصالح والأجندات علنية وأمام عيون الشعب، وليست صفقات بين عائلة الحاكم هنا وبين ممثلي نفوذٍ هناك! ونقول أيضاً، أنه لأنظمة القمع والفساد عندنا أيضاً أجندتها ومصالحها الشخصية التي تحاول استغلالها لتكريس حكمها وسلطتها وسطوتها. أجهزة ومؤسسات الدولة عندنا تخضع وتعمل خدمة للطاغية، بينما في الغرب “الامبريالي” مسئولة أمام الشعب وممثليه، ولا نقول أنه لا تحصل في الغرب تجاوزات، خاصة تجاوزات أجهزة مخابراتها الخارجية بالتعاون مع حكومات فاسدة، لكن انكشاف أي منها يسبب فضيحة كبرى، وربما يطيح بحكومات ورؤساء كبار!. أقول كل هذا عن الغرب “الإمبريالي” بدون تجاهل تواطئه مع الأنظمة وضد الشعوب، لكنه قد يمكن قلب المعادلة، بل يجب قلبها.!..
وعودة للون الرمادي السوري، وكذلك للأبيض والأسود، والسؤال الذي يردده البعض اتهاماً، وينكره البعض الآخر بالمطلق وكأنه العار كل العار، وهو فكرة التدخل الخارجي لحماية المدنيين من آلة القتل المستمرة منذ نصف عام، التدخل الذي يجبر الأسد الكثيرين على التفكير الجدّي به، وذلك بعد سقوط آلاف القتلى وعشرات الألوف من المعتقلين –ربما عددهم قارب المائة ألف معتقلاً. إن “الثبات على المبدأ”، هو ثبات في ظرف تتغير معه علاقات ثباته بشكل دائم وكبير، وهذا يجعلنا ويلزمنا أن نقوم بإعادة النظر بكل ثوابتنا التي لم تكن يوماً ثابتة، إعادة النظر بالألوان الكثيرة التي تعطينا اختيارات عديدة وإمكانية خلطها بنسب عديدة لإيجاد اللون المطلوب!.
إلى متى نبقى متمسكين بخوف ترك الخوف؟!.
إن بعضاً من رموز المعارضة متخلف بشعاراته وتصوره للأزمة وطريقة حلها عن الشارع المتظاهر، والمطلوب الارتقاء واللحاق بالشارع، بل يجب مواكبته والتأثير فيه ومنه، وليس التخلف عنه..
هل يبقى الحل النهائي للمخاض الذي تعيشه بلدنا وثورتنا بيد القوى التي ساهمت في توريث وبقاء الأسد في السلطة؟ أي هل يكون الحل بتهديدٍ جدّي للنظام بضربه واستسلامه ونقل السلطة بشكل سلمي، ودخول مرحلة انتقالية والتحضير لانتخابات حرة وبإشراف دولي؟، أو يكون الحل بالتدخل المباشر للغرب “الامبريالي” بما فيه ضرب جوي لمراكز قوى النظام العسكرية والسياسية؟، هل نحن أمام صفحة جديدة من التعامل مع الغرب؟، صفحة جديدة لإعادة الثقة بين شعوبنا وبين حكومات الغرب.!.
فرصة تاريخية أمام أمريكا وأوربا لتغيير مزاج الشعوب العربية منها، وذلك من خلال جدية وإنسانية موقفها من الثورات العربية، وأعتقد أن روسيا ستكون الخاسر الأكبر من خلال مكابرتها في دعم كل الطغاة العرب، روسيا تخلصت من بريجنيف، لكنها لم تتخلص من طريقة تعامله مع الأزمات.
بعد استتباب الأمور في المنطقة العربية ستظهر تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة، لا يمكن لها تجاهل تجربة مسار ثورات الحرية في المنطقة..
نحتاج الشجاعة والحنكة أكثر في استخدام الألوان والخروج من عقدة الرمادي بتفعيل الرمادية. ويخطئ من يظن أن الثورة -أي ثورة تنتهي كما تبدأ بالضبط. إلى متى نهرب من مواجهة آخر آثار النظام في تفكيرنا.؟!…
10 / 9 / 2011