الهيكل التنظيمي لدولةٍ ثوريةٍ مؤقتة
علي الأمين السويد
ينظرُ بعض السوريون إلى التشكيلات الثورية التي نشأت في سوريا إبان انبثاق فجر الثورة السورية المباركة بكثير من عدم الفهم وربما من التشك ظناً منهم أن هذه التشكيلات ستكون سُلماً يتسلق به الناشطون خيول الشهرة، و ليتاجروا بدماء الشهداء، وبآلام الثكالى، و ما إلى هنالك من تعابير أخرى، و خطوة أكيدة نحو الاستفادة منها فيما بعد سقوط النظام. ومن هذه التشكيلات ما صار يعرف بالتنسيقيات، و الميدانيات، و مجالس قيادات الثورة، و اتحاد تنسيقيات، مجلس أعلى لقيادة الثورة ، و الهيئات، و الهيئات الإغاثية و الطبية و غيرها.
و للإنصاف نقول أن هذه المؤسسات لم تنشأ لولا الحاجة لهافي تنظيم العمل الثوري من حيث إعداد المظاهرات و الاضرابات، و الاعتصامات، و إصدار البيانات كما حصل في بداية الثورة و يحصل الآن، و توزيع الغوث، و التطبيب، و التسليح و القتال الذي تكبد عناءه بعض الناشطين بعد أن فُرض عليهم بقوة تصميم المجرم بشار الأسد على شيطنة الثوار. و للإنصاف نقول أنه ربما يوجد من طاوعته نفسه لإقتراف جريمة التفكير بلاستفادة المادية مما يجود به المقيمون داخل الوطن و خارجه و الاخوة العرب الذين تضامنوا مع الشعب السوري بكل ما أوتوا من قوة.
و لتسهيل إيضاح ضرورة وجود هذه التنسيقيات يمكن تشبيهها بالضماد الذي يوضع على الجرح الذي تنتفي الحاجة له عند شفاء ذلك الجرح. و ما أسهل استنتاج “ماذا يُصنع بالضماد بعد الشفاء” وهو بالضبط ما سيحصل لهذه التشكيلات عند الانتصار و اسقاط النظام إلا من رحم ربي واستطاع بعد ذلك تشكيل كيان سياسي يعبِّر عن فكر من أسسه و يخضع عندها لقبول المجتمع أو لرفضه تبعاً لنتائج صناديق الإقتراع و هذا حقٌ شرعي كلنا نقاتل النظام الأسدي كي نحصل عليه.
وبالعودة للمثال، نقول أن صفات الضماد تلعب دوراً كبيراً و حساساً في شفاء الجرح بأسرع وقت ممكن. وبما أن التشكيلات الثورية تشبه الضمادات، فما هي الصفات اللازم توافرها في التشكيلات الثورية من أجل خدمة المجتمع الذي تمثله؟ وكيف يمكن لها آن تخدم ذلك المجتمع بأقصى طاقة وبأقصى فعالية؟
أما صفات ممثلي التشكيلات الثورية تكاد تتلخص بالشجاعة، و الإيثار، و الجدية، والوعي بأهداف الثورة، وهذه الصفات لا تحتاج إلى امتحان و تدقيق و تمحيص، فهذه الثورة قد فرزت افراد المجتمع و عرَّتهم للجميع، فمن يعمل صالحاً يُرفِعَ على الأكتاف و من كان همه نفسه نُبِذَ خلف ظهور الجميع و لو بعد حين.
و من الواضح الآن أن سلطة الدولة المدنية قد غُيِّبَت في أرجاء كثيرة في سوريا المنكوبة بفعل إرادة النظام الأسدي، فصار لزاماً على من يتنكب المسؤولية أن يسعى لتشغيل ما استقالت الدولة الاسدية عن فعله قصداً كإجراء عقابي للثوار وأهاليهم.
فقد بتنا الآن نلاحظ غياب الخدمات الاساسية في بعض المناطق مثل صيانة الكهرباء، و الهاتف، و شبكات الماء، و تنظيف المدن، و مراقبة اسعار المواد التموينية، وغيرها مما ينبغي على الدولة إدارته و لكن وللأسف فدولتنا هي دولة صُممت لترتبط وجودياً بآل الاسد، فما إن يسقط الأسد حتى تسقط دولته وهي للأسف الدولة “السورية” شئنا أم أبينا.
فكان من الحصافة أن يتنبه الأخوة الثوار و المواطنون إلى تنظيم مؤسساتهم الثورية بحيث تحل محل بعض مؤسسات الدولة كمؤسسة قوى الأمن الداخلي، والبلديات، و الماء و الكهرباء و الهاتف الأرضي بطريقة تبقي خدماتها قيد التشغيل ما أمكن.
ولضرب مثال على ما يمكن أن يفعله تنظيمٌ ثوري كتنسيقية في مدينة صغيرة ما في تنظيم و إدارة شؤون تلك المدينة. وقبل الشروع في التقسيمات، لنتفق أن جميع أعضاء التنسيقية هم من الأشخاص المرضي عنهم في مدينتهم و ينتظر منهم القيام بالكثير في سبيل خدمة مواطنيهم. و لأن امور إدارة المدينة تطوعية وجب اختصار التقسيمات التنظيمية قدر الاستطاعة لتقديم الخدمات الأكثر إلحاحاً، و ما يجب أن تذكره هو أن مصدر التمويل خارجي بإمتياز مع بعض الاعتماد على بعض المصادر المحلية.
من المفترض أن يتألف الهيكل التنظيمي للتنسيقية من المكاتب التالية التي تنظم وتسهل العمل الخدماتي ليس إلا، و من أجل هذا يُقترح تسمية المكاتب التالية:
1. المكتب التنفيذي
و يتكون المكتب التنفيذي من مدراء المكاتب التي تضمها التنسيقيات بالإضافة إلى مدير المكتب ذاته. و يضطلع هذا المكتب بإدارة شؤون المدينة و يقرر الإحتياجات و يقدم طلبات صرف إلى المكتب المالي و يخاطب التنظيمات الأخرى.
2. المكتب المالي
ويعني المكتب المالي بتوثيق المبالغ المستلمة من قبل التنسيقية مهما كان مصدرها، وصرف المبالغ، إن و جدت، للمكاتب الأخرى حسب الطلبات المقدمة من المكتب التنفيذي ولا ينبغي أن يكون هنالك كثير من الأعضاء، بل ينبغي أن يكون في هذا المكتب صاحب خبرة في مجال الإدارة المالية.
3. المكتب الإغاثي
و يقوم أعضاءه بجمع بيانات إحتياجات المواطنين و توثيقها وتقديم طلبات الاغاثة للمكتب التنفيذي عبر مدير المكتب الاغاثي ليصار إلى توفير الإحتياجات المطلوبة. كما يقوم اعضاء المكتب بتوزيع الاغاثات على المواطنين و توثيق ذلك التوزيع.
4. المكتب الأمني
و يعني هذا المكتب بالإشراف على الوضع الأمني في المدينة، ويعمل عمل قوى الأمن الداخلي بالاستعانة بالعناصر المنشقة من الشرطة المدنية و من المتطوعين المدنيين. كما يقوم بمراقبة و تقييم أداء عناصر الأمن في فض النزاعات و الحفاظ على الطمأنينة و الحراسة الليلية و تزويدهم بالرواتب او المساعدات حسب توفرها.
5. مكتب البلدية
يتألف هذا المكتب من أعضاء يناط اليهم مراقبة اسعار المواد التموينية وجودتها، ونظافة المدينة ، واستمرار شركات الماء و الكهرباء و الإتصالات في خدمة المواطنين. علماً أن نظافة المدينة هي من أهم واجبات هذا المكتب الذي سيتبين مقدار جدِّه في الحفاظ على مستوى نظافة جيد للمدينة لأنها مقياس سهل لكل من يرى.
6. المكتب الطبي
و يرتبط عمل أعضاء هذا المكتب بالمشافي الميدانية لجهة تقدير حاجاتها من أجهزة طبية و أدوية و العمل على توفيرها، والاهتمام بالمرضى و الجرحى الذين نكَّل بهم النظام و توثيق أنواع الأضرار الجسدية التي تسبَّب بها النظام الأسدي للمواطنين.
7. المكتب الحقوقي
و مهمة هذا المكتب هي توثيق كافة أنواع جرائم النظام و غير النظام مثل بيانات الشهداء و المفقودين و هدم و حرق المنازل و المحاصيل و المحال التجارية والسيارات وتقدير كافة أنواع الأضرار التي لحقت بالمواطنين.
8. المكتب العسكري
يتألف هذا المكتب من قادة العسكريين الذي يقاتلون ضمن المجال الإداري لهذه المدينة، ومهمتهم اطلاع المكتب التنفيذي بالأوضاع العسكرية، و تلقي الدعم المالي و اللوجستي و الاغاثي لتقديمه بدورهم لأفراد تشكيلاتهم المسلحة.
وبما أن الحديث عن أصغر وحدة في المحافظة يمكن الحديث عن تشكيلات أكبر و أشمل حين تقوم كل تنسيقية بتعين مندوبين لها في ذلك التشكيل الأكبر، كأن يكون مجلس قيادة الثورة في المحافظة الذي بدوره سيكون صورة مجمَّعة ومختصرة من و لهذه التنسيقيات ليتمكن من مخاطبة المجالس الأخرى على سبيل المثال، و الدول الأكبر لتحصيل الدعم المالي لإقامة أوَد هذا الشعب الثائر.
ولم أنس أن أقترح وجود مكتبٍ تاسع يُعنى بمراقبة أداء هؤلاء المتطوعين في التنسيقية لأنه وببساطة سيكون أهل المدينة كلهم ضمن هذا المكتب غير “المصنف” الذين سيقومون بالحكم و الفصل في كون التنسيقية أو بعضاً، أو أحداً من أعضاءها يعمل أو لا يعمل كما ينبغي.و لن أذكِّر بأننا ثرنا على أعتى مجرمي الأرض ،فمن سيتم السكوت عن تقصيره، و لماذا؟
من قال أن هذا تنظيم الذي تم تفصيله يشبه تنظيم “دولة” فقد أصاب ولكنها دولة مؤقتة تزول عندما تصبح لدينا دولة شرعية تضطلع بمسؤولياتها وتجعل الشعب السوري يشعر بمعنى المواطنة وبمعنى الإنسانية، وهذه الدولة العتيدة، بإذن الله، قادمة… قادمة…قادمة.