الوضع الراهن للثورة ومهامنا المرحلية القادمة
برهان غليون
اخواتي واخوتي اعضاء المجلس الوطني السوري
يطرح اليوم على المجلس كما تعلمون استحقاق اختيار رئيس جديد للمجلس. وقد كان هذا الاستحقاق في الاشهر الماضية مثار جدل كبير وتجاذبات مؤلمة احيانا للجميع. ونادرا ما تطرق النقاش فيه الى القضايا السياسية الرئيسية. لذلك اجد من واجبي ان اقدم لجميع اعضاء المجلس بهذه المناسبة تقريرا عن الاوضاع الراهنة وما تحقق من مهام وتلك التي اعتقد ان من الضروري تحقيقها في الاشهر بل الاسابيع القليلة القادمة للرد على التحديات التي تواجهها الثورة واعادة الامساك بالمبادرة في توجيه الاحداث.
تعرضت قوي الثورة ولا تزال تتعرض لضغط عسكري وامني شديد من قبل النظام بسبب انقسام الارادة الدولية وتردد اعضاء كثيرين في تجمع اعضاء سورية عن الانخراط في اي عملية عسكرية او شبه عسكرية ضد النظام. مما اشعر النظام بانه لايزال يملك فرصة للاستخدام المفرط للعنف من اجل كسب مواقع جديدة او ايقاف حركة التاريخ. وقد ولدت خطة الست نقاط وبعثة كوفي انان من الجمع بين الخوف من الانخراط عند الدول الصديقة والسعي الي توافق دولي على امل ان يؤدي الفشل المنتظر للخطة الى احراج الروس والخروج بقرار في مجلس الامن يسمح باستخدام القوة ضد النظام.
لكنني لا اعتقد ان الدول التي صوتت على الخطة ستعترف بفشلها ىسريعا وذلك لانها تخشى من البديل المنتظر، حتمية التدخل الانساني، كما لا اعتقد ان الروس سيقبلون بالتخلي الصريح عن النظام مهما كانت درجة الاحراج.
اعتقد ان الوضع السياسي لازال مغلقا على الصعيد الدولي على الاقل في مدى الشهر القادم وان الدول الاكثر تاييدا لنا ستحتاج الى وقت اكبر حتى تقرر التدخل بشكل مباشر وفعلي.
لكن من جهة اخرى لم ينجح القمع الوحشي والقتل المنظم في الانتقاص من عزيمة شعبنا الثائر. كما ان بعض الدول الصديقة لا تمانع في تقديم يد الدعم المادي واللوجستي والعسكري للثورة كي تستمر وتقارع جيش الاحتلال الداخلي. وعلى هذا الدعم يجب ان نراهن وان نعمل على زيادته وتامينه بشكل افضل للمحتاجين والثوار والعسكريين والمقاومين.
ينبغي ان يكون توجهنا اذن بشكل اساسيً الى تفعيل قوانا الذاتية مع الاستمرار في تشجيع الدول الصديقة على المبادرة والعمل من اجل تامين الحماية الدولية للمدنيين حسب بند مسؤولية الحماية الذي يجعل من واجب المجتمع الدولي تقديم المساعدة بكل الاشكال لوضع حد لعمليات القتل المتعمد والتنكيل بالمواطنين. واعتقد ان زيارتنا الرسمية الى واشنطن ستكون حاسمة في هذا المجال.
ويدخل ضمن ذلك تنظيم الجيش الحر وتوحيد صفوفه وتسليحه بالاسلحة النوعية التي تمكنه من مواجهة جيش النظام والدفاع عن الثورة والثوار وكسر شوكة السلطة الباغية وهزيمتها.
كما سنعمل وينبغي ان نعمل على تامين اكبر مساعدات انسانية ممكنة وتوزيعها بشكل افضل في كل ميادين الحاجة على المواطنين المتضررين والمحتاجين.
والسعي الى تامين مختلف هذه المعونات هو الهدف من الزيارات الرسمية التي نقوم بها الى الدول والعواصم الصديقة التي نحاول ان نشجعها على عمل اكبر لصالح شعبنا المكافح والى الدول غير الصديقة للضغط عليها وتخفيف عدائها لنا او دعمها للنظام.
ومن اجل النجاح في المراهنة على قوانا الذاتية للرد على التحيات ووقف اجرام النظام وتوفير احتياجات الثورة والثوار والاعداد للانتصار لا بد لنا من وسيلة تساعدنا على ذلك. وهي ليست سوى المجلس الوطني الذي ينبغي قبل اي شيء اخر ان نفعل مؤسساته المختلفة التي بقيت رغم كل جهودنا والتقدم المحدود الذي انجزناه ضعيفة او مشلولة. فلم تجتمع الهيئة العامة ولا الامانة في مواعيدهما المفروضة ولم يسفر الاجتماع الذي خصصناه لتفعيل المكاتب عن شئ يذكر. ولا تزال طاقاتنا مهمشة او مشلولة. ولا بد ان يدفعنا هذا الى التفكير في اسباب هذا العجز وايجاد الوسائل الكفيلة بتجاوزه.
وبعد التجربة اعتقد اننا لن ننجح في هذا التفعيل من دون تطبيق خطة من اربع نقاط :
اولا انتقاء مدراء المكاتب من الخبرات التقنية وتفريغهم واعطائهم كامل الصلاحيات في مكاتبهم وتوفير ميزانيات مناسبة لتنفيذ مهامهم
ثانيا تحرير اعضاء المكتب التنفيذي من العمل مع المكاتب وقصر دورهم على مناقشة السياسات العامة ورسم التوجهات الاساسية ومراقبة عمل المكاتب. مما يعني ان يتحول المكتب التنفيذي الى فريق عمل واحد مهمته التفكير والتنظيم والاشراف والمراقبة بشكل رئيسي.
ثالثا دمج طاقات الامانة العامة والهيئة العامة في النشاط اليومي من خلال تشكيل مجموعات عمل تضم الخبرات في ميادين النشاط المختلفة السياسية (بما في ذلك التواصل مع الحراك الثوري)، والاقتصادية واللوجستية والادارية والثقافية والفنية، بحيث تكون لدينا في كل ميدان فرق عاملة قوية وخطط عمل مبلورة وقابلة للتحقيق.
ومن الضروري ان تعمل هذه المجموعات المختصة بالتنسيق مع المكاتب الفنية، تستفيد من خدماتها من جهة وتقدم لها من جهة ثانية ما تحتاجه من مدخلات ومساهمات وخبرات تحتاج لها المكاتب لتطور عملها.
وفي اعتقادي ان السبب الرئيسي لضعفنا المستمر كان حتى الان غياب الاجهزة الادارية واستهتارنا بدورها وترددنا في رصد الميزانيات المطلوبة لاطلاق عملها. مع انها اساس الماسسة في اي منظمة سياسية او اجتماعية او اقتصادية. والعنصر الاول في بناء الجهاز الاداري هو ايجاد المكاتب والمقرات المناسبة التي من دونها لايمكن اقامة علاقات مؤسسية بين الافراد العاملين والحد من اثر العلاقات الشخصية.
رابعا اعادة هيكلة المجلس الوطني بمعنيين. المعنى السياسي الذي يشير الى ضرورة توسيع قاعدة المجلس وفتحه على القوى الحية الجديدة التي نشات في ظل الثورة، من قوى وتيارات ومنظمات سياسية، ومن تشكيلات المجتمع المدني الحرة الناشئة ايضا، والشخصيات والرموز الوطنية والثقافية والدينية والاجتماعية. وبالمعنى المؤسسي الذي يتعلق بتطوير اليات اتخاذ القرار وتاكيد اهمية مشاركة الاعضاء وتعزيزها في عملية اتخاذ القرار. وتطرح هنا بالتاكيد قضية الجمع الخلاق، التي طالما تحدثنا عنها في السابق ولم نطبقها، بين قاعدة التوافق التي هي اساس اي ائتلاف بين قوى متباينة وقاعدة الانتخاب الحر التي لاتكون من دونها مشاركة فردية.
ومن هنا اطلقنا بعد مؤتمر اصدقاء سورية الثاني مشروع اعادة الهيكلة الذي نال ترحيبا كبيرا من قبل اعضاء المجلس الذين ينتظرون تطبيق الممارسة الانتخابية حتى يكون لهم دور في رسم السياسات واتخاذ القرارات العامة، وكذلك من قبل القوى والتيارات السياسية والمدنية السورية الكثيرة الراغبة في العمل تحت راية المجلس الوطني السوري. كما صادف هذا المشروع ترحيبا كبيرا ايضا من قبل الدول العربية وغير العربية المعنية بالقضية السورية واصبح محط انظار المؤسسات الدولية في الامم المتحدة والجامعة العربية معا.
وينبغي الان ان نحضر بسرعة لعقد الهيئة العامة في الشهر القادم على اقصى حد لاخراجها من التهميش الذي اصابهاحتى الان، وتفعيلها، وتحويلها الى قوة محركة كبيرة للتغيير داخل المجلس وخارجه مع بقية قوى الثورة السورية الظافرة
لم يرتق المجلس الى مستوى تضحيات الشعب السوري وتطلعاته ابدا في الاشهر السبع الماضية. وقد سيطرت على مناقشات العديد من اعضائه روح المنافسة السلبية واحيانا الاحباط بسبب بطء وتيرة العمل فيه وضعف مواكبته لمسيرة الثورة واحتياجاتها. وللاسف اتخذ النقاش في مسالة ضعف اداء المجلس صيغة التشكيك بالاشخاص ونواياهم بدل البحث في الاسباب المادية والموضوعية الرئيسية التي غالبا ما قيدت طاقات الافراد او احبطت مساعيهم او منعتهم من تنفيذ اي اصلاح. وقد سود هذا التوجه مناخا سلبيا عاما داخل المجلس لم يشجع على التواصل لابين الاعضاء ولا بين الهيئات فصارت كل هيئة من هيئات المجلس تخشى اللقاء مع الاخرى. ولم يضعف هذا المناخ السلبيً بشكل اكبر من فرص العمل الجاعي وروح الفريق الضرورية لتعزيز مشاركة الافراد فحسب ولكنه عمق شك الاطراف ببعضها، واكثر من ذلك الشك في انجازات المجلس نفسه، وقلل من احترام رمزيته لدى الاصدقاء والاعداء. فصار التهديد باسقاط المجلس او الانسحاب منه امرا عاديا وتعبيرا عن الغضب او عدم الرضى او طلبا لدور اكبر. وكل هذا اضعف من صدقية المجلس وسمح لاشخاص او تجمعات صغيرة ان تطمح الى تجاوزه والعمل كما لو كان غير موجود.
وهكذا اضيفت اخطاء رد الفعل على ضعف الاداء الى ضعف الاداء لتعطي صورة قاتمة عن المجلس وادائه ليس في الخارج فحسب وانما لدى الاعضاء ايضا. وقد الحق هذا ضررا كبيرا بالمجلس وبثورة الشعب التي يريد تمثيلها او التحدث في العالم باسمها.
والحال ليست هذه هي الحقيقة ابدا. لقد نجح المجلس في الاشهر السابقة في تحقيق اهم واكبر هدفين انشيء من اجلهما وهما اعطاء عنوان واضح ومعترف به للثورة السورية في الخارج، وتوفير الدعم الانساني واللوجستي الضروري لدعم الثورة واستمرارها.فهو المنظمة الوحيدة التي نالت حق التمثيل الشرعي للشعب الثوري من قبل اغلب دول العالم بما فيها الدول العربية والدول الكبرى، فاصبح المتحدث الرئيسي باسم الشعب السوري الثائر في المحافل الدولية. وهذا ليس بالامر اليسير، ولم يكن ممكنا لولا النجاح في تحقيق التوافق بين مكونات المجلس والتعاون فيما بينها. ولا ينبغي ايضا الاستهانة بحجم الدعم الذي نجح المجلس في الحصول عليه، وعلى الالتزام الصريح به من الدول العربية، ولا ذاك الذي يفاوض باستمرار عليه مع البلدان الاخرى والذي يقدم من خلال المنظمات الاغاثية الدولية.
ولا يقلل من قيمة هذه النجاحات ضعف الماسسة او غياب مشاركة قاعدة المجلس فيها وانما على العكس. فقد حصل بالرغم منه. فاذا نجح المجلس في تحقيق هذه المهام بجزء بسيط من اعضائه فهذا يعني انه قادر على تحقيق اكثر من ذلك بكثير اذا ما افلح في تفعيل مؤسساته بما يمكن جميع اعضائه من المشاركة في العمل الوطني.
في هذا التفعيل الذي ينبغي ان يكون محور نشاطنا في المرحلة القادمة لا تقع المسؤولية على المكتب التنفيذي فحسب وانما ينبغي ان يتولى قسم منها اعضاء الامانة والهيئة العامة ايضا. على هؤلاء كما على كل عضو ان ياخذوا المسؤولية ايضا ويقوموا بالمبادرة. واذا قامت اي هيئة بعرقلة جهودهم على القيادة ان تساعد على فتح الطريق وتوفير شروط العمل المطلوب. فالقيادة لا يمكن ان تتولى تنفيذ كل الخطط والنشاطات وانما تقع عليها مسؤولية تمكين اصحاب المبادرات الحية والايجابية من تحقيق خططهم واهدافهم العامة.
وكلي ثقة من ان السير في هذا الطريق سوف يمكننا من تحقيق المشاركة الفعالة لجميع الاعضاء، ومن خلق روح ايجابية جديدة افتقدناها في الاشهر السابقة داخل مجلسنا الكبير، وخلق الشروط الملائمة، السياسية والادارية والنفسية، لتحقيق الاهداف الجديدة التي نسعى اليها في تعزيز اشعاع المجلس ونفوذه وتوسيع دائرة العاملين تحت لوائه. فلنجعل من المراجعة واعادة الهيكلة ولادة جديدة لمجلسً يتجدد باستمرار بمواكبة ثورة شعبنا المجيدة وبموازاة تقدمها.
ارجو ان يكون هذا التقرير منطلقا لنقاشات جادة حول الخيارات والسياسات الكبرى للمجلس تخرجنا من جو المجادلات الشخصية التي سيطرت على نقاشاتنا في السابق. وان تكون مصلحة الثورة وحدها ومعيار القبول العام هي التي تتحكم باعتبارات اختيار اي شخص لاي مركز او موقع كان. ومن جهتي اود ان اؤكد على انني لست متمسكا باي منصب مهما كان، لا الان ولا في المستقبل، وان هدفي الوحيد خدمة الثورة وفي اي موقع او مكان. واذا كانت مصلحة الثورة تقتضي اختيار شخص اخر فلن اتردد في تقديم كامل الدعم له والعمل تحت قيادته حتى الانتصار.