الوكالات المعنية بدعمهم تفتقر للتمويل…اللاجئون السوريون… معاناة نفسي/ كورت جورينج
عندما زار وزير الخارجية الأميركي جون كيري مخيماً كبيراً للاجئين السوريين في الأردن الشهر الماضي، تضرع إليه اللاجئون كي يتخذ إجراءات لوقف القتل في بلادهم. وتصدرت تضرعاتهم اليائسة الأنباء حول العالم وأبرزت مدى المعاناة النفسية التي تصاحب العذاب البدني المتمثل في القتال داخل سوريا.
وجاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي في الأسبوع نفسه الذي قال فيه مسؤولون من الأمم المتحدة إن سوريا هي أسوأ أزمة لاجئين منذ الإبادة العرقية في رواندا. وفي يونيو الماضي، حذرت لجنة تابعة للأمم المتحدة من أن «جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أصبحت واقعاً يومياً في سوريا حيث أكتوت ضمائرنا بالحكايات المروعة للضحايا».
لكن في غمرة الرعب الجماعي والجدل السياسي يلوح في الأفق سؤال مهم: ما الحاجات النفسية الاجتماعية للناجين الذين تظهر «حكاياتهم المروعة» في الأنباء والذين نرى معاناتهم على «يوتيوب»؟ من يهتم بهؤلاء اللاجئين؟ من الذي يرعى صحتهم الذهنية وييسر تعافيهم؟
تعرض ملايين من المدنيين السوريين من الرجال والنساء والأطفال للتعذيب والسجن والاغتصاب وإطلاق النار أثناء الفرار من الصراع المتصاعد دوما. وشهدوا بأنفسهم معاملة وحشية تضمنت ذبح أسر بكاملها وتدمير منازل وأحياء. ومع بروز العنف السياسي والطائفي الذي تواجهه سوريا، تصبح الحاجة إلى معالجة الكرب النفسي للاجئين أكثر إلحاحاً.
وفي الأردن الذي يوجد به ثلث اللاجئين السوريين البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، لدى مركز ضحايا التعذيب فريق من المعالجين الذين يقدمون الرعاية للصحة النفسية والعلاج البدني للعراقيين والسوريين الذين هربوا من القتال في بلادهم. ورغم أننا لا نعلن عن خدماتنا، فلدينا قائمة انتظار تضم أكثر من 700 شخص معظمهم من سوريا.
ولم يسبق لنا أن طُلب منا مثل هذه الاستجابة الكبيرة، دون أي تعاون شعبي بخاصة. وبعد عدد من الصراعات السابقة، مثل ما حدث في سيراليون وليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، عملت منظمتنا عن كثب مع زعماء التجمعات السكنية. وقدمنا أنشطة تعليمية عامة لشرح آثار العنف وكيف يمكن أن يساعد علاج الصحة الذهنية الأفراد والجماعات في استعادة رباطة الجأش واستئناف الحياة.
ويأتي إلينا نحو 50 لاجئاً سوريا في اليوم يلتمسون علاج الصحة الذهنية والنفسية الاجتماعية لهم ولأطفالهم وأفراد آخرين مكروبين من الأسرة. بعضهم يشعر بالصدمة، ولا يستطيع التوقف عن البكاء الشديد ويحكون قصص رعب تفوق الوصف ويعرضون على فريق العمل صوراً لقتل وقع أمام أعينهم. وقصصهم ينفطر لها القلب. والآباء قلقون بشدة بشأن أبنائهم الذين يبولون على أنفسهم ويسدون آذانهم ويبكون عندما تمر فوقهم طائرات ويتشبثون بالآباء ولا يستطيعون التركيز في المدرسة. والآباء يريدون مساعدة أطفالهم بينما يحاولون هم أنفسهم تناسي ما مروا به من خبرات بشعة وشعورهم بالعجز عن حماية أطفالهم.
وتعرض أطفال في الرابعة من العمر للسجن والتعذيب. وخُطف طفل صغير وألقي في زنزانة مظلمة ولم يفرج عنه إلا بعد مرور بضعة أيام. الطفل في حال ذهول ولم يعد يتكلم أو يلعب. وتبهرنا شجاعة وصلابة اللاجئين السوريين الذين يستحقون ما هو أفضل، هم وجميع من تعرضوا للتعذيب والناجون من الحروب. وبعد أن قدمنا الرعاية لما يقرب من 24 ألف ناجٍ من التعذيب والحروب منذ بداية ظهورنا، نعلم في مركز ضحايا التعذيب أن خدمات الرعاية الصحية يمكن أن توفر بصيص أمل وسط بربرية الصراع.
لذا، وفي الخريف الماضي، قدم المركز تعهداً بالعمل في الاجتماع السنوي الثامن من مبادرة كلينتون العالمية بتقديم علاج الصحة النفسية والبدنية إلى اللاجئين السوريين المصابين بصدمة في الأردن في الأعوام الثلاثة المقبلة. ويتضمن التعهد تعزيز قدرتنا على العلاج في عيادتنا الموجودة في عمّان وإضافة وحدة متحركة تنتقل يوميا في الأردن في المناطق التي بها أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين.
وتركز المساعدات الإنسانية في الصراعات في المقام الأول على الحاجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى والرعاية الطبية. لكن الكثير من اللاجئين السوريين الذين فروا إلى الدول المجاورة والملايين الذين نزحوا داخل البلاد يعيشون في منازل بدائية دون المستوى الملائم. ومازالت مساعي الأمم المتحدة والوكالات الدولية لعلاج الأزمة تفتقر بشدة للتمويل. لكن كثيرين يحتاجون لرعاية ملائمة وماهرة للتعافي ذهنياً.
بعض الناجين سيعانون من مشكلات الصحة الذهنية ما لم يحصلوا على رعاية متخصصة، وسيتصدون لكل التحديدات التي يتعين على أي لاجئ أن يواجهها، لكنهم سيفعلون هذا مع شعور عميق باليأس والقلق والألم النفسي. والبعض لن يستطيع الصمود أو دعم نفسه أو أطفاله.
فعلى الدول الثرية أن تدخل ساحة المعركة لتقديم المزيد من المساهمات إلى صندوق الأمم المتحدة التطوعي لضحايا التعذيب. وقدم الصندوق، منذ إنشائه عام 1981، الأموال للمساعدة في تقديم المساعدات النفسية والقانونية والطبية والمالية للناجين من التعذيب وأسرهم. وكان للولايات المتحدة اليد الطولى في هذا المسعى، لكن بوسعها أن تقدم المزيد بتشجيع الحلفاء على تقدم مساعدات وإعطاء أولوية لمعالجة الصحة الذهنية.
من الضروري أن يعزز المجتمع الدولي جهوده ليضمن أن تصل الرعاية الماهرة والمناسبة إلى السوريين النازحين، وهي الرعاية التي تعالج معاناتهم الداخلية وتعترف بإنسانيتهم.
ينشر بترتيب مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
الأحد