“الولاء” هارباً من نفسه/ رائد وحش
لا يسخر الفيديو الغنائي السوري “بحب الموت” (إنتاج بدايات، 2014) من شعاراتية التربية البعثية فحسب، بل يفتح البيكار على اتساعه، ليضحك ضحكاً أسود من الفكر الشمولي، على اختلاف أشكاله وأسمائه.
عبر أربع دقائق و18 ثانية، تمرّ إشاراتٌ من شأنها أن تصيب السوري في المقتل، إذ تغدو الأغنية مرآة فاضحة: هذا هو أنت، هذه صورتك، تلك هي اللغة التي فُطِمْتَ عليها. التربية البعثية فعلتْ كل ما في وسعها لتجعلك خاوياً إلى هذا الحد، فاحذرْ من مواصلة الخواء في الشكل “الجهادي”.
تتدرج عملية تدجين الإنسان السوري ضمن سلسلة من “المنظمات الشعبية” التابعة لـ”القيادة القُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي”، وهي كالآتي: في المرحلة الابتدائية تتولاه “منظمة طلائع البعث”، في المرحلتين الإعدادية والثانوية تتسلّم أمره “منظمة شبيبة الثورة”، في المرحلة الجامعية يصل إلى أحضان “اتحاد طلبة سوريا”. خلال هذه الرحلة، وباستثناء الطفولة، يكون المرء عضواً في الحزب القائد. وبالطبع يتساوى مَن هرب من الدراسة مع مَن أكملها على مذابح النقابات المهنية، وهي تواصل فحص زمرة دم الولاء.
لكي نبقى في سياق “بحب الموت” سنقتصر على “الطلائع”، فحيث يمكن تشبيه هذه المنظمة بمنظمات وجمعيات الكشّافة من حيث الشكل، لا يعود ذلك ممكناً حين نتناول أيديولوجيتها التي تتمحور حول شخص القائد الفذ، بل إنها تغدو حقلاً بحثياً لـ”علم النفس الاجتماعي”، يسهّل معرفة الآليات التي تجري فيها صناعة اللاوعي العام لشعب، لا سيما أنها مختصة بالطفولة.
تحاكي “بحب الموت” برامج الأطفال الموهوبين في التلفزيون الرسمي، فحيث تستعيد الـ”لوغو” القديم للقناة الأرضية؛ وتحيي ألوان الشاشة الباهتة في زمنٍ لا نصدّق أننا كنا فيه؛ وتماهي بين شخصية المذيعة الرتيبة وشخصية مديرة المدرسة القاسية؛ هنا تصل الأغنية إلى مبتغاها: التشابه.
يضع العمل ما هو بعثي جوارَ ما هو “جهادي”. “الطليعي” يغني و”الجهادي” يرقص، ورغم أن كل منهما يفعل ما يفعله بشكل أجوف، دون أي فهم للمحتوى، إلا أنهما يصبحان جوقة واحدة.
“الرفيق الطليعي” هو ذاته “الأخ الجهادي”، كأّن ما بينهما نوع من الحلول والتناسخ. “الرفيق” بلا اسم، هو رفيق يحب القائد وهذا يكفي كهوية. “الجهادي” بلا ملامح، وجهه مقنّع، ومهمته محدّدة بالموت، فما الحاجة إلى تفاصيل إذاً؟ بناء على هذا سيصبح طبيعياً ألّا نرى فرقاً، في رسم يمرّ في الخلفية، لرفاقٍ طليعيين جميلين يصطفون في الطابور الصباحي، كي يحيّوا العلم، ولكن علم “تنظيم القاعدة”!
دقائق قصيرة تعيش فيها ذاكرتنا المغتصبة أيام عسكرتها بمراييل الكاكي والشعارات الحربية. وفي الوقت نفسه نرانا، في غدنا، لابسين السواد لا نحلم بأكثر أو أقل من الموت.
شيء أخير؛ هو أن هذه الأغنية، رغم ضعف اللّحن، تبدو الأفضل من بين إنتاجات “بدايات” الأخرى. فسواها لديه مشكلة في ألفباء النوع الفني، حيث نرى الوثائقي ريبورتاجاً، والروائي لوحة تلفزيونية.
إخراج : آمن العرند، كلمات وغناء: بتول محمد، تمثيل: رشا عباس، جيرار آغاباشيان، موسيقى: جام
العربي الجديد