صفحات الثقافة

الوهم العربي الشامل


ليانة بدر

لا أعرف ما الذي دهى التاريخ العربي كله حين نشأنا على فكرة التحرير العربي الشامل. ولربما كانت هذه الفكرة نتاج أجيال من المناضلين والمناضلات من آباء وأمهات الحركات الثورية التي دفعت النفس والنفيس في تلك الأيام الغابرة التي طمح العرب فيها لأن يكون لهم وجود تحت الشمس . وقد تم اضطهاد الفلسطينيين وحركاتهم الحزبية والفصائلية والثورية على مدى عقود كاملة من قبل الأنظمة التي قامت تحت حجج ثورية وتغييرية، وذلك تحت حجة تحرير فلسطين. وقامت تلك الأنظمة العربية بوضع نفسها في أعلى مكان تزايد فيه على الشعب الفلسطيني نفسه، وعلى عذاباته ولجوئه ومآسيه. واستخدمت تلك الأنظمة العسكرية الشعارات الثورية كقناع لتحقيق مآرب الاستيلاء على السلطة، خصوصاً التظاهر بأنها فلسطينية أكثر من الفلسطينيين، وهي التي كانت أول من يضطهد كل من له علاقة بالثورات التي تريد الحرية لشعوبها. وفي مقدمة هذه الأنظمة كان أكثر من يزايد بينها النظام السوري البعثي. وانظروا اليوم ماذا كانت أهدافه البطولية التي تكشفت عن تحرير سورية من شعبها ذاته عبر شن الحرب عليه لإبادته إبادة جماعية شاملة . فقد صرح بشار الأسد بأن ما يجري في سورية هو حرب حقيقية، وأن كامل سياساتها تتجه للانتصار فيها. ويعني هذا تسخير كل مقدرات البلد لتحقيق مآربه، وهدفه مستحيل التحقق؛ أي إبادة أهله وإفراغه من ساكنيه عدا موالي الديكتاتور ذاته. لكن الديكتاتور الفهيم لم يخبرنا في تصريحه هذا على من يشن هذه الحرب، ومن هم الأعداء، وما هو نوع هذا النصر الذي يسعى لإحرازه، وعلى من هو هذا النصر . أهو مكرس لإبادة خيرة الشباب والأطفال والأمهات والمدنيين وأهل سورية قاطبة؟

نسي الأسد بغبائه المعهود أن اكتشافه المذهل كان حقيقة بديهية واضحة للجميع منذ بدء حربه على البلاد التي يحكمها، وأن ما يجري هو حرب حقيقية بكل معنى الكلمة تستخدم فيها كافة الأسلحة الثقيلة والذخيرة لإبادة من دفعوا ثمنها بعرقهم ومن خبز لقمتهم ومن جرعة الهواء التي يريد حرمانهم إياها. وجميعنا يشاهد يومياً الدبابات السورية المصفحة على شاشات الفضائيات، وهي تصول وتجول هنا وهناك لكي تهدم ما أمكنها من بنايات ومنشآت وتقتل ما يمكن الوصول إليه من السكان . والآن تجري على أرض فلسطين حرب استيطانية حقيقية، والمواطن العربي والفلسطيني منشغل النفس والضمير بما يجري من تصفية مكشوفة وعالية الصخب في سورية، فيما تجري حرب المستوطنات بهدوء وتشفٍّ كامل من جانب النظام العنصري الإسرائيلي. لكن النتائج واضحة في الجهتين، فالمواطن الفلسطيني أو السوري يعرف أن البحر من الأمام وأن العدو من الخلف وأنه لا مفر من المقاومة، لأنها هي وحدها حياة الشعوب الطامحة للحرية والكرامة التي تستحق بذل التضحيات. وفي انتظار هذا ستظل أمام نصب أعيننا خيبة النظام العربي الشامل في تحقيق الحد الأدنى من الوعود والشعارات التي نادى بها تحت بندي الكذب والمخادعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى