صفحات سوريةمصطفى اسماعيل

انتخابات صورية في جملوكية الرعب السورية


مصطفى اسماعيل

آخر مهازل النظام الحاكم في سوريا تنظيمه انتخابات لاختيار أعضاء ( مجلس الشعب ) يوم 7 مايو / أيار الجاري, فيما تحولت البلاد منذ أربعة عشر شهراً إلى بؤرة قتل وإبادة وتهجير وعنف غير مسبوق تحت يافطة بقاء النظام ورأسه رداً على دعوات السوريين الثائرين بالرحيل.

تأتي انتخابات هذا العام في سياق غير طبيعي منذ تأسيس الدولة السورية الحديثة, فالثورة المندلعة منذ منتصف مارس / آذار 2011 لا تريد الاكتفاء بتغيير رأس النظام, بل تريد تغيير بنية الدولة والاستعاضة عنها ببنية مفارقة, وهذا ما يتبدى في العديد من المشاريع والبرامج والوثائق التي طرحتها تلاوين معارضة سورية على مدى أشهر, وفاقاً لذلك فإن اللجوء إلى انتخابات نيابية وسط المعممعان السوري الراهن يعد من قبيل الضحك على الذقون واللحى وإدامة للبنى والهيكليات المحطمة للدولة السورية المختزلة إلى مجرد سلطة لا تجيد سوى سفك الدماء.

تنظم انتخابات هذا الدور التشريعي وسط مقاطعة واسعة النطاق, وهي مقاطعة بدأت مع فتح أبواب الترشيح قبل شهر ونيف وستمتد إلى التصويت يوم الأثنين القادم, فالدلائل المتوفرة تشير إلى حملة اعتصامات واحتجاجات ستشهدها المدن والأرياف السورية بالتزامن مع فتح أبواب مراكز الاقتراع, وهذه دلالة عيانية أخرى على أن مصير الانتخابات إلى سلة مهملات الثورة السورية.

مرشحو هذا الدور التشريعي كما درجت العادة هم جوقة من المداحين والمصفقين والمطبلين والسماسرة والمخبرين والبعثيين وملحقاتهم من أحزاب الجبهة والأحزاب التي جاء بها البعث قيصرياً فوت إصداره قانون الأحزاب الصوري قبل أشهر, وكل هؤلاء لا يمثلون حتى أنفسهم, لكنهم أدوات سلطوية وبيادق يتم تحريكها في آناء الضرورات القصوى السلطوية, فالكل السوري ومعهم الكل المتابع للشأن السوري يتذكر ذلكم النائب الذي وقف في قاعة جلسات مجلس الشعب أثناء خطاب بشار الأسد الأول بعد انطلاقة الثورة السورية ليقول لسيده أنه جدير بقيادة العالم وليس سوريا فحسب, ولا يشذ المرشحون إلى الانتخابات الحالية عن النموذج ذاك, أي أننا والحالة هذه أمام مجلس غنم سعيد آخر.

قرار النظام بتنظيم الانتخابات يأتي بناء على ما يطلبه البعض المعضد والمؤازر له من المجتمع الدولي وهم قلة همها الأوحد بقاء النظام ولو إلى حين, ويروج لها النظام على أنها استكمال لمخططه الإصلاحي وهي بذلك قفز آخر فوق حقيقة الوضع السوري وعملية تحريف للأزمة السورية باتجاه آخر, ولن تنطلي لعبة النظام المفوتة هذه على أحد.

المؤكد أن النظام سيخسر خطوته ( الإصلاحية ) هذه, فآخر ما يحتاجه السوريون أو يفكرون به هو خوض تعيينات مجلس ( الشعب ), والمؤكد الآخر تباعاً لذلك أن النظام لن يوفر جهداً في تحريك ترسانته التزييفية وإخراج مؤتمر صحفي محبوك جيداً يعلن فيه وزير الداخلية نجاح العملية ( الانتخابية ) بإمتياز منقطع النظير, وقد حشد لمعركته التي هي من طرف واحد كما درجت العادة خلال عقود ضعاف النفوس والمقتاتين على مائدة النظام والمرتزقة والشبيحة, فالمجلس الصوري لا يكحل عينيه إلا بنماذج سقط متاع.

ملفتان في ( اقتراع ) غد: الملفت الأول أن جهة كردية تقاطع ( الانتخابات ) في العلن فيما تزج بأعضائها في السياق الانتخابي السلطوي سراً مراهنة على عدم معرفة أبناء وبنات الشعب الكردي لهم. والملفت الثاني أن مجموعة من ثوار الداخل السوري أعلنوا تشكيلهم البرلمان السوري المؤقت وهو أمر يفهم منه أن لا شرعية لمجلس ( شعب ) السلطة.

لا مبرر لانتخابات غير ديمقراطية, لا مبرر لانتخابات في بلد غير ديمقراطي حيث تكون الأحادية والشمولية هي السائدة, لا مبرر لانتخابات في بلد يدعي أن بداخله تعددية حزبية وهي بدون شك تعددية لا مكان لها خارج معادلة الدولة الأمنية وخارج مراياها.

يحتاج السوريون اليوم إلى لحظة حرية, ولا يحتاجون قطعاً إلى لحظة تعيينات في جملوكية الرعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى