صفحات العالم

انتهازية الأكراد السوريين

طارق محمد الناصر
موقف الأكراد السوريين من نظام الحكم في بلادهم موقف معروف منذ عقود. فالنظام، الذي يرفع راية العروبة، كان يناصبهم العداء كقومية ويعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية ويحاول، بشتى السبل، حرمانهم من حقوقهم. لقد تعرض الأكراد لظلم حقيقي تجلى في حرمان مئات الآلاف منهم من الجنسية السورية مع ما يرافق ذلك من إغلاق فرص التعليم والتوظيف والتملك وغيرها من الحقوق أمامهم.
ولم يقتصر الظلم على تلك الفئة المحرومة من الجنسية بل تعداه ليشمل كافة الأكراد في محاولة من النظام لطمس هويتهم الثقافية بمنع تسمية الأبناء والمحلات التجارية وما شابهها بأسماء مستمدة من الثقافة الكردية. وترافق ذلك التمييز مع حملات ممنهجة لتغيير التركيبة السكانية في مناطقهم.
والحق إن التمييز ضد الأكراد في سوريا كان أكثر قسوة من التمييز الذي كان مورس ضد إخوتهم في الدول الأخرى التي تتقاسم موطنهم التاريخي (تركيا، العراق، إيران). والمفارقة إن أكراد العراق، حتى في زمن صدام حسين، كانوا يتمتعون بحقوق لا يتمتع بها أشقاؤهم في تلك الدول، لكن هذا ليس موضوعنا على كل حال.
ومع الإقرار بالمظالم التي أوقعها نظام البعث بالأكراد والتعاطف مع قضيتهم إلا ان المرء لا يمكن له ألا يستغرب من موقفهم من الثورة. فالدور الذي يمكن للأكراد لعبه في الثورة كبير جدا وبإمكانه، إن فُعَل، أن يغير من موازين القوى ويعجل بسقوط النظام. إذ لدى الأكراد ميزة، لا تتوفر لغيرهم، هي وجود امتداد لهم في العراق مما يمكنهم من تلقي السلاح والرجال ويمكنهم، أيضا، من الحصول على مكان آمن هربا من النظام.
الأحزاب الكردية، للأسف، امتنعت عن مشاركة القوى الأخرى في الثورة ورفضت المشاركة في المجلس الوطني السوري إلا وفق دفتر شروط يضمن لها مكاسب في النظام الجديد. صحيح إن هذا الامتناع لم يستجب له بعض الأكراد كأفراد إلا ان النسبة الكبرى منهم لم تشارك.
لذا فليس غريباً أن ينظر باقي مكونات الشعب السوري لموقف الأحزاب الكردية على انه موقف انتهازي يحاول لوي ذراع الثوار للمشاركة في الثورة. بيد ان ما لم تفطن له تلك الأحزاب هو انها بهذه السياسة تجازف بوضع الأكراد، مستقبلا، في مأزق مؤكد مع شركائهم في الوطن.
في حرب تحرير الكويت كان الرأي العام الفرنسي ضد مشاركة بلاده في الحرب. حينها وقف رئيس الوزراء الفرنسي أمام البرلمان قائلاً إن الدم الفرنسي يجب أن يسيل في الميدان كي يمكن لفرنسا أن تضمن لها مقعداً على الطاولة التي سيجتمع حولها المشاركون في الحرب لتقرير مصير العراق.
ما أحوج الأكراد لرأي مثل هذا.
الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى