صفحات العالم

انتهاكات النظام السوري.. والتواطؤ الدولي

رأي القدس

نددت الجمعية العامة للامم المتحدة في بيان الثلاثاء بالانتهاكات المنهجية والصارخة لحقوق الانسان من جانب النظام السوري وميليشيات الشبيحة التابعة له.

قرار دولي غير ملزم يأتي بعد مرور اكثر من 32 شهرا على حرب شرسة يشنها النظام السوري ضد المطالبين بالحرية والديمقراطية، وانهاء اكثر من اربعة عقود من حكم عائلة الاسد.

اللافت بهذا القرار امران: الاول هو وجود 13 دولة ترفض القرار و46 تمتنع عن التصويت، والثاني ان المصوتين لصالح هذا القرار هذا العام 123 دولة، بينما حظي قرار مماثل العام الماضي بتأييد 135 دولة، رغم ان آلة القمع السوري لم تخف، بل شهدت تصعيدا، خاصة بعد مجزرة الاسلحة الكيماوية في الغوطة في ريف دمشق.

من المؤسف ان نشهد حوالي ثلث اعضاء الجمعية العامة للامم المتحدة لا يؤيدون التنديد بانتهاكات النظام السوري، لكن لا بد من التوقف عند هذه الحقيقة ومحاولة فهم اسبابها وعواملها وهي:

ـ الموقف الامريكي المتردد وسياسة ادارة الرئيس باراك اوباما التي بدأت تسحب نفوذها من المنطقة بعد الخسائر الفادحة بشريا وماديا التي تكبدتها بالحرب في افغانستان والعراق، مما ادى لتخليها عن التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لسورية، ردا على الهجوم الكيماوي في آب/اغسطس الماضي، وبالنتيجة تمنح واشنطن الرئيس بشار الاسد الفرصة تلو الاخرى، مبدية عدم الاهتمام بمعاناة المدنيين.

ـ اما العامل الثاني فهو الهجمة الدبلوماسية الروسية، ونجاح الرئيس فلاديمير بوتين بفرض اجندته وتصوراته، محاولا ملء الفراغ الذي يتركه تراجع الدبلوماسية الامريكية في الشرق الاوسط. وفي تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه وفد الحكومة السورية في موسكو في وقت سابق من الاسبوع الحالي، اكد ان الاولوية المطلقة اليوم في سورية هي لمحاربة الارهاب، وليست لتنحية الاسد، معتبرا ان التوجه المشترك اليوم في العالم هو لوضع حد لنفوذ الجماعات الارهابية وليس تغيير النظم الحاكمة، ولم ينس لافروف الثناء على الجهود التي تبذلها دمشق بتنفيذ برنامج اتلاف السلاح الكيماوي، ليتبين لنا ان هذا الثناء جاء بالنهاية نتيجة لقصف المدنيين السوريين بالغازات السامة.

ـ العامل الثالث، هو التنظيمات الاسلامية المتشددة، وممارساتها بالمناطق ‘المحررة’، ولا بد من الاشارة الى هذه الحركات التي تتحمل مسؤولية نقل الثورة السلمية الى ثورة مسلحة، ساهمت بالبداية بتحقيق انجازات عسكرية على الارض، لكنها بدأت بعد ذلك تظهر صورتها البشعة من خلال الاعدام وقطع الرؤوس وفرض الشريعة على طريقتها في المناطق المحررة. هذه الصورة البشعة ساعدت بالنتيجة النظام على الاستمرار وجعلت نزع تنازلات سياسية منه امرا صعبا.

ـ العامل الرابع هو الخلافات بصفوف المعارضة والتدخل الغربي والاجنبي باجندتها، ففي ظل النظام القمعي طوال عقود لم يستطع الشعب السوري ان يبلور، معارضة او حتى احزابا معارضة ذات مصداقية، وقد ادى هذا النقص بالتجربة الى ان النخب السورية لم تستطع بعد الثورة انشاء كيان معترف به من جميع الاطياف، كما انها لم تتوصل الى ابراز وجه يمكن اعتباره رائدا او زعيما، ولان الازمة طالت وتعسكرت، فقد اختلطت الانشطة السياسية بالعسكرية، وبالتالي فتحت الابواب لتدخلات دول عربية واقليمية لمواجهة روسيا وايران اللتين تدعمان النظام. واستتبع ذلك صراع بين الدول الداعمة على استقطاب المعارضين الذين دخلوا ايضا بصراعات داخلية تعكس تنافس وتناكف الدول التي يرتبطون بها.

ـ العامل الخامس والاخير هو الصورة التي آلت اليها اليوم دول الربيع العربي. فبعد الاطاحة باربعة رؤساء لانظمة استبدادية في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، لا تزال هذه الدول تعاني وان بدرجات مختلفة، ففي حين شهدت مصر انقلابا على الشرعية، تعثرت التجربة الديمقراطية في تونس، وبينما تعاني ليبيا من انتشار الميليشيات المسلحة والدعوات الانفصالية، يبدو اليمن عاجزا عن فرض سيطرة الدولة على انحاء البلاد.

للاسف يبدو ان الخاسر الاكبر من كل ذلك هو الشعب السوري الذي يسقط من ابنائه العشرات يوميا بين قتيل وجريح على ايدي نظام يستغل التساهل الدولي الذي يصل لحد التواطؤ.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى