انجازات الانتفاضة السورية في شهرها الرابع .. هل بدأت الكفة بالميل لصالحها؟
خولة دنيا
يوم جمعة جديد يمر على انتفاضة الشعب السوري، ويوم الجمعة هو دائماً جردة حساب لابد منها، أين وصلنا؟ ماذا حققنا؟ هل نجحنا بالاستمرار؟ هل تعبنا؟ هل نحن قادرون على الاستمرار؟
في كل يوم جمعة، نحزن على شهداءنا الجدد، ونجدد عهداً بالاستمرار، ولكن هذا لا يمنعنا من الفرح بأن ما استشهدوا من اجله قد اقترب تحقيقه خطوة أخرى..
في يوم الجمعة هذا أحسست بالأمل أقوى من كل مامضى، قد تكون جردة الحساب التي قمت بها تبدو وكأن الكفة بدأت تميل إلى هذا الحراك البطولي للشعب السوري بعد غيابه الطويل عن السياسة والفعل.
في البداية مالذي تحقق بعد هذه المدة؟
سأحاول أن أصف ما أظن انه تم تحقيقه من وجهة نظر شخصية:
أولا- :الصمود طوال هذه المدة هو بحد ذاته إنجاز،فمن كان يظن أن السوريين قادرون على الصمود بوجه آلة القمع والدمار بما تملكه من إمكانيات ضخمة عسكرياً وأمنياً و”شعبيا” ووإعلامياً. وهو ما سيسجله التاريخ للشعب السوري، حيث استطاع على الرغم من كل هذا الصمود والاستمرار. وهو ماكان يبدو حلما بعيد المنال قبل اشهر قليلة.
– ثانياً: التوسع والانتشار الذي شمل خارطة الوطن كلها ماعدا بعض المناطق المتفرقة.
– ثالثاً: العودة لنكون مواطنين بعد تهميشنا لعقود، وإحساس المواطنة هذا جاء من المشاركة في الحراك من قبل فئات المجتمع واثنياته، وماكرسه الأكراد بخاصة في وقوفهم لجانب الانتفاضة كسوريين.
– رابعاً: النجاح في كسب الاعلام الخارجي وتعاطف العالم مع الانتفاضة من خلال الاصرار على السلمية واستخدام الوسائل السلمية والارتقاء بها، والابداع بها ونقل صورة مايجري على الرغم من الحصار الاعلامي اللامسبوق، وكذلك كان الاصرار على السلمية مفتاح الانتشار في سورية وكسب فئات جديدة كانت على الحياد، وذلك رغم القمع والتجييش . ولا ننكر حصول بعد الحوادث الفردية هنا أو هناك ولكن الطابع العام كان سلمياً.
– خامساً: النجاح لحد الآن في تجاوز خطط السلطة في إحداث الفتنة والحرب الطائفية بين مكونات الشعب السوري، وفي هذا المجال أثبت الشعب السوري وعياً فوق المتوقع بكثير، فمع أن الكثر كان يراهنون على الموضوع الطائفي وسهولة الدخول في هذا النفق المظلم، غير أن الشعب أبدا أقصى حالات الحرص وضبط النفس، بحيث أثبت أن قضيته هي فعلاً قضية حرية ومشكلته هي تحديداً مع النظام القامع وليس مع مكونات المجتمع الأخرى.
– سادساً: استطاع أن يصدر ماكان يسمى بالأزمة السورية للنظام، فمانشهده اليوم هو أزمة نظام لم يعد يعرف كيف سيخرج منها، بعد أن استخدم مايعرفه من حلول أمنية لم تجدي لحد الآن. وأزمة النظام هذه تظهر في خسارته لمناطق نفوذ شعبي واسعة في سورية، كما لخسارته أصدقاء دوليين كثر، بحيث أن من تبقى داعماً له يعد على أصابع اليد الواحدة.
– سابعاً: استطاعت المعارضة السورية أن تنسق جهودها وعملها على الأرض، وبدأ خطاب سياسي موحد يتبلور في الداخل وهو مايمكن التعويل عليه أساساً، حيث أن ماصدر من مواقف للمعارضة في الخارج لا يمكن الاستناد إليه بدون رضا الداخل وتبنيه لهه المواقف.. وهنا رأينا نضجاً في خطاب الداخل وخياراته.
من جهة أخرى هل بدأ العد العكسي للنظام؟
بدأنا نرى مايبشر بهذا من خلال عدة مؤشرات، صحيح أنها بسيطة ولكن يمكن التعويل عليها:
– حاول النظام تصدير أزمته بأشكال مختلفة، من أهمها ماحدث على الحدود في الجولان المحتل، حيث استشهد 23 شاباً فلسطينياً في محاولة جنونية لإظهار الوجه الوطني للنظام ، وهو ماكان يتم التأكيد عليه سابقاً من خلال مواقفه الممانعة لإسرائيل ووقوفه مع المقاومة، وإن كان هذا نجح سابقاً، غير أنه اليوم دليل ضعف. فالنظام ولأول مرة يفتح الحدود أمام المواطنين ويكتفي بإرسال سيارات الاسعاف لنقل الجرحى والشهداء دون أي تدخل لحمايتهم من الرصاص الإسرائيلي..
– حاول ملاحقة مناطق التمرد كافة من خلال دخول المدن السورية الثائرة كلها، فرأيناه ينتقل من مدينة لمدينة بدباباته وطائراته وقصصه المفبركة عن وجود العصابات والمندسين وغير ذلك، ولكن إلى متى ونحن نرى انتفاض المدن من جديد بعد خروج الجيش وبشكل أكبر من السابق.
– على الرغم من أنه استطاع حشد ملايين المؤيدين في بداية الحراك، غير أنه لم يستطع مؤخراً (بمناسبة حمل أطول عمل سوري) أن يحشد أكثر من مئتي ألف مؤيد!! وهو مايعبر عن الأزمة كما هي على الأرض، ونحن نعلم أن الإعلام كان ومازال أحد وسائل النظام المفضلة في البروباغندا التي يوجهها للشعب كافة.
– شكل الأزمة الآخر كان في بدأ تململ رموز النظام نفسه وبحثها عن مخارج ولو بشكل فردي، مثل ماسمعناه عن اعتكاف رامي مخلوف عن العمل التجاري والاقتصادي لصالح العمل الخيري!! وهو مايضع إشارات استفهام حول بقية الداعمين للنظام في حربه ضد الشعب وانتفاضته.
على الرغم من النقاط المذكورة أعلاه يبقى تساؤل مهم الآن: هل حان الوقت لنتفاءل أخيراً؟
التفاؤل ممكن إن توفرت مقومات أخرى لدينا من أهمها:
– قدرتنا على تكوين جبهة معارضة مكونها الأساسي في الداخل السوري قادرة على صياغة برنامج عمل وطني قابل للحياة، بالتعاون مع شرفاء الوطن في الداخل والخارج.
– إن استطعنا الاستمرار في سياسة زرع الثقة بين مكونات الشعب السوري
ومن هم خائفين أو على حياد، كي تكسب الانتفاضة عناصر جديدة وفاعلة للحراك.
– إن استطعنا هز المزيد من دائم النظام وأبرزها الجيش، الذي بدأنا نرى ثماره القليلة في الانشقاقات وفضح ماكان يتم تحت جناحه.
– إن استطعنا الاستمرار في حراكنا اليومي، على الرغم من التعب والملل أحياناً، بحيث يستمر الضغط على أجهزة أمن النظام وشبيحته الذين مازالوا مستمرين في استنفارهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وهو مابدأ يظهر في تململهم وتساؤلهم عن نهاية الأمر.
الانتفاضة بحاجة لكثير من الحراك حالياً على ثلاثة صعد:
– سياسياً: من خلال العمل مع جميع القوى لخلق الخطاب الجامع القادر على الحياة وتحقيق المطالب.
– شعبياً: لزرع الثقة ومزيد من التلاحم بين فئات الشعب
– تعبويا وثقافياً: لخلق مزيد من النضج بين صفوفها، وتثبيت العمل على الأرض وزرع التفاءل
فبعد ثلاثة أشهر، الأمل بدأ يتجسد ودماء الشهداء بدأت تزهر وتورق خصباً، وعلينا أن نعرف أن المشوار مازال في منتصفه، ولكن لدينا الأمل الكافي لنكمله.