انسحاب كتائب محلية من عفرين احتجاجاً: الاتفاق الروسي ـ التركي يمنع مقاتلي ونازحي تل رفعت من العودة/ منهل باريش
نهبت عناصر من فصائل الجيش الحر ولصوص مدنيون مدينة عفرين في مشهد يذكر بعمليات الغزو الكبرى في التاريخ ويعيد أذهان السوريين إلى ما شاهدوه على شاشات التلفزيون العالمية والعربية في بث حي ومباشر لعمليات السرقة والنهب التي حصلت لحظة دخول الجيش الأمريكي العاصمة العراقية بغداد، عندما نهب العراقيون كل ما يحمل من مؤسسات الدولة.
قائد عسكري في أحد أبرز فصائل درع الفرات قال في اتصال مع «القدس العربي» ان «مئات من اللصوص المدنيين الذين ارتدوا بدلات عسكرية شبيهة بتلك التي يرتديها مقاتلونا مستغلين حالة الفوضى لحظة السيطرة على عفرين، لكننا لا ننفي تورط فصائل محددة، ويقوم مكتب الأمن في الشرطة الحرة بفتح تحقيقات والبحث في مستودعات بلدة اعزاز ومناطق عفرين عن أي مسروقات». وأكد القيادي الذي فضل عدم ذكر اسمه ان «عملية النهب أساءت للجيش الحر وأظهرته بمظهر اللصوص والغزاة ووجهت صفعة كبيرة لرمزيته واحترامه وسنحتاج إلى وقت حتى نصلح الشرخ الحاصل مع أهلنا الكرد السوريين في عفرين».
وضبطت «قوات الشرطة والأمن العام الوطني» التي دربتها تركيا وتشرف عليها بشكل مباشر، مستودعات كبيرة في بلدة اعزاز تحتوي على أغذية وصفائح زيت الزيتون وصناديق صابون الغار. وتعتبر سرقة الجرارات الزراعية ومولدات الديزل أكثر المسروقات التي صورتها كاميرات مصوري الوكالات الدولية والتركية على السواء في اليوم الأول من السيطرة على مركز مدينة عفرين بعد انسحاب مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية منها.
تركيا، من جهتها، حاولت تعزيز دورها الإنساني بعد تفاخرها بالعدد القليل من الضحايا المدنيين في عملية «غصن الزيتون» حيث وصفت العملية من قبل الحكومة والجيش التركي والإعلام الرسمي بعد طرد «الوحدات» بـ «النظيفة» بعد محاولات لتجنب القصف الجوي على المراكز الحيوية والإنسانية والطبية في البلدة. إلا أن «قوات سوريا الديمقراطية» تحدثت عن مصرع نحو 200 مدني سقطوا نتيجة القصف التركي الجوي المركز حسب إعلام «قوات سوريا الديمقراطية».
وقامت هيئة الإغاثة التركية «أي ها ها» بإنشاء عدة مطابخ في مركز المدينة لتقديم وجبات يومية ساخنة تكفي 10 آلاف شخص في مدينة عفرين، وهو العدد التقريبي للمدنيين الذي بقوا في المدينة. وكذلك قدمت الهيئة مياه الشرب لقرابة ألف أسرة ما زالت في بيوتها. وتوسع عمل «أي ها ها» إلى عدة قرى وبلدات أهمها شنغال وميدان اكبيس الحدودية مع تركيا وكوسانلي. ويقوم الجيش التركي بتوزيع مساعدات إنسانية عاجلة متعلقة بأمور النظافة وخصوصا الأطفال ومياه الشرب في مناطق انتشاره حسب الصور التي نقلتها وكالة «الأناضول».
الفلتان الأمني الذي حصل في عفرين يومي الأحد والاثنين الماضيين يطرح علامات استفهام كبيرة حول انضباط الفصائل ومقاتليها، والتي ظهرت على غير صورتها الأولى عندما كانت عناصر الجيش الحر تساعد العجائز والكهول ويحملونهم على ظهورهم ويقدمون لهم الماء والطعام في أول أيام عملية «غصن الزيتون» التي بدأها الجيش التركي في 20 كانون الثاني/يناير. إلا أنه في الوقت نفسه تساءل الكثير من المحللين والمراقبين عن دور القوات التركية ولماذا لم تمنع ما حصل في عفرين من خلال أوامر صارمة وحواجز تطوق المدينة وتنتشر خارجها. وشككوا في ان ما حصل محاولة تسويق وجود تركيا في المنطقة الكردية على حساب الفصائل العربية السورية.
وبعد إتمام السيطرة على منطقة عفرين ستتضح الخطوة التالية لتركيا، حيث ينتظر آلاف المقاتلين من تل رفعت وجوارها بدء عملية عسكرية لتحرير بلداتهم التي ما زالت تحت سيطرة جيش الثوار ووحدات حماية الشعب، إضافة إلى عشرات الآلاف من المدنيين الذين فروا من تلك المناطق عندما تقدمت قوات سوريا الديمقراطية عليها متزامنة مع تقدم النظام وقطع طريق اعزاز-حلب والوصول إلى بلدتي نبل والزهراء منتصف شباط/فبراير 2016.
ورغم عدم انتهاء عملية «غصن الزيتون» العسكرية إلا أنه أصبح واضحا أن القرى والبلدات العربية (تل رفعت، دير جمال، الزيارة، كشتعار، مرعناز، منغ، عين دقنة، شيخ عيسى، كفرنايا وكفر ناصح، حربل، احرص، ام حوش، سروج، وصولا إلى تل جيجان وشعالة) هي خارج المناطق المتفق عليها بين موسكو وأنقرة في الوقت الراهن ضمن إطار عملية عفرين. فروسيا تريد المحافظة مؤقتاً على وجود «قسد» في تلك الأراضي كورقة ابتزاز دائمة بوجه أنقرة أولا، وتركها كورقة ضغط على «قسد» لإجبارهم على تقديم تنازلات الحل السياسي ثانياً.
وتفضل روسيا نشر عناصر من شرطتها العسكرية أو الشرطة العسكرية الشيشانية في تلك البلدات التي تطوق مدينة حلب ومنطقتها الصناعية على أن تسمح لتركيا الاقتراب أكثر من حلب وتكريس تواجدها هناك.
وتبرز أهمية منبج بالنسبة للرئيس التركي والقيادة السياسية والعسكرية، حيث توعد عشرات المرات بطرد من وصفهم بـ«الإرهابيين» منها، الأمر الذي دفع وزير الخارجية المقال تيلرسون إلى ابرام اتفاق حول حل مسألة منبج، في محاولة لاستعادة الحليف القوي في الناتو وعدم تركه يقف مع من تصفهم أمريكا بمحور الشر «روسيا، وإيران». وأعاقت إقالة تيلرسون الوصول إلى اتفاق نهائي من قبل اللجان الأمريكية التركية المشتركة التي شكلت عقب زيارته إلى أنقرة ولقائه أردوغان وفريقه. حيث اقترحت أنقرة تشكيل نقاط تركية – أمريكية مشتركة وطرد «قسد» من منبج إلى شرق نهر الفرات.
في سياق متصل، انسحبت عدة مجموعات وفصائل صغيرة من عفرين وتوجهت إلى اعزاز احتجاجا على توقف المعركة عند الحدود الإدارية لعفرين ونبل والزهراء، مع مشارفة «غصن الزيتون» على الانتهاء وعدم استمرار المعارك إلى تل رفعت وجوارها، ما سيؤثر سلبا ولو بشكل محدود على عملية منبج المرتقبة.
القدس العربي»