انشقاق أبناء السويداء: رحلة محفوفة بالموت والتشرّد
وصل “ماجد” (إسم مستعار) إلى مدينة القلمون السورية القريبة من الحدود مع لبنان، بعد رحلة شاقّة مع عددٍ من أبناء محافظته السويداء هرباً من النظام السوري. احتاج انشقاقه إلى ثلاثة أسابيع متواصلة من التخطيط، مع تعاون من إحدى كتائب “الجيش السوري الحر” التي أمّنت له ولرفاقه غطاء الانسحاب والوصول إلى برّ الأمان. من وجهة نظر “ماجد”، لم يعد يستطيع البقاء ضمن نظامٍ أسهَلَ ما لديه أن يقوم ضبّاطه بإطلاق النار على المارين عبر الحاجز الذي كان يخدم فيه.
انشقاق “ماجد” تمّ عبر طريقٍ طويل بدأ من داخل دمشق مروراً بالغوطة الشرقية وصولاً إلى القلمون، ومنها إلى لبنان، مع أربعة عناصر آخرين من مدينته، وبعد ذلك بدأت مرحلة الاختباء في إحدى القرى بعيداً عن متناول أعين الجهات الحليفة للنظام السوري خوفاً من تسليمهم إليه.
“ماجد” غير نادم إطلاقًا، فما قام به أمرٌ لا بدّ منه. في حديثه لـ”NOW” يروي تفاصيل من رحلة الانشقاق وما قبلها: “كان واضحاً منذ وصولنا إلى الخدمة في ذلك الحاجز أنّنا مجرد طعم لا أكثر، فنحن في خط المواجهة وعلينا أن نقاتل، كما أن الأعمال القذرة كان علينا تنفيذها، كإطلاق النار على المدنيين الذين يشك الضابط بأمرهم، وعندما رفضتُ ذلك تم تحويلي إلى سجن اللواء الذي كنت أتبع إليه لمدة تجاوزت عشرين يوماً في ظروف لا تختلف أبداً عن ظروف الاعتقال في المعتقلات، من ضربٍ وتعذيب على أيدي عناصر هم أصدقاء لنا، وتحت حجة أننا نخالف الأوامر العسكرية”.
ويضيف “ماجد”: “بعد خروجي من السجن بات رفضي لأي أمر عسكري معناه الموت أو الاعتقال مجدداً، فكان الانشقاق هو الخيار الأنسب”. بدأ ماجد في التخطيط لانشقاقه مع أربعة شبّان من أبناء السويداء وباتفاق مع كتيبة لـ”الجيش السوري الحر” تكفّلت بنقلهم إلى القلمون، ومنها إلى لبنان، مقابل إعطائها ما يحملون من ذخيرة وعتاد. وهذا ما حصل.
لا ينكر “ماجد” أن وضعه الحالي “أشبه بحياة التشرّد”، فـلا عمل لديه، ولا أوراق ثبوتية نظامية يستطيع التحرك بها، والمال يأتيه فقط ممّا يقدّمه له الأهل في داخل سوريا أو من مساعدات بعض الأصدقاء. لم يتّخذ “ماجد” ورفاقه بعد قرار القتال إلى جانب “الجيش الحر”، كما أن العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام تعني “الانتحار”.
“ماجد” ورفاقه ليسوا حالة وحيدة من منشقّي السويداء في لبنان. لعلّ وضع “منير” (إسم مستعار أيضاً) أفضل نوعاً ما، إذ بعد انشقاقه ووصوله الى لبنان وجَد من يتعاطف مع قضيته وقراره، وحالياً يعمل معه في أحد محلات الألبسة مقابل مردود مادي يكفيه طعامه وشرابه، رغم أنه خريج جامعي. لكنّ “منير” يعترف بأنه “مجبر على العمل ضمن هذه الظروف، فهي أفضل من أن أكون قاتلاً وأحمل ذنب أرواح أبرياء”.
آخرون من المنشقّين قرروا بعد وصولهم إلى لبنان العودة إلى سوريا والقتال إلى جانب “الجيش الحر”. “كمال” واحدٌ من هؤلاء، إذ بعد وصوله إلى عرسال ومنها الى بيروت ضيفاً عند أصدقائه، وجد أن بقاءه دون عمل لفترة طويلة لا يناسبه، خاصة مع عدم توفر مردود مالي يؤمّن له قوت يومه. هو الآن يحاول تأمين طريقه إلى عرسال مجدداً ومنها الى داخل سوريا عبر التنسيق مع إحدى الكتائب العاملة في دمشق، حيث قرر أن يشارك معها في القتال حتى سقوط النظام، كما يقول.
لعلّ بقاء السويداء تحت سيطرة النظام السوري وعدم وجود أي إضاءة إعلامية على الحراك المعارض فيها، هو ما جعل عدد الانشقاقات الكبيرة بين صفوف شبابها غائباً تماماً عن المشهد الإعلامي. ولا تزال السويداء حتى الساعة حبيسة النظام السوري وإعلامه، الذي يصوّرها على أنها المنطقة الموالية التي يشارك أبناؤها “بقوة” إلى جانب النظام، في حين إن النسبة الأكبر من شبابها باتوا خارج سيطرته ورافضين كل أفعاله.