انشقاق مناف طلاس.. الانحدار نحو الهاوية
د. محمد جميعان
العميد مناف مصطفى طلاس الذي انشق عن النظام السوري هو قائد لواء الطوق الداخلي في الحرس الجمهوري الذي يؤمن حراسة الرئيس وتحركاته مباشرة، وقد كُلف مؤخرا بالاضافة الى واجباته الاساس بعمليات قمع الثورة والمظاهرات الشعبية في العاصمة دمشق وتأمين حالة الاستقرار مهما كلف الثمن بحسب تقارير اخبارية.
ليس ذلك وحسب، بل يعتبر شريكا في الحكم ايضا، اذ انه ابن وزير الدفاع السوري الاسبق العماد مصطفى طلاس الذي وفر الغطاء الشعبي والسياسي فضلا عن العسكري للنظام باعتباره ‘سنيا’ ومن ابناء محافظة حمص ومن الرستن بالذات التي هي معقل المعارضة منذ المجازر الاولى في حماة وحلب وحمص والتي تتعرض الآن لأبشع الجرائم على يد النظام، كما وفر طلاس الحماية العسكرية والامنية ايضا لعائلة الاسد على امتداد حكمها منذ تولي الاب حافظ الاسد الحكم،
يعتبر مناف الابن المدلل لعائلة الاسد،ويبلغ من العمر (48) سنة،وهو صديق شخصيا ومقربا جدا للرئيس بشار، وكثيرا ما ظهر مناف برفقة بشار في زيارات وجولات شخصية في سوريا وله معه صور منشورة على النت..
هناك من يحاول ان يهون او يبسط الدلالات ومن ثم النتائج لهذه الحادثة، ولا غرابة في ذلك فهو اما من عملاء النظام السوري نفسه او شركائه او من المستفيدين منه او المحسوبين عليه، ويرون في أية دلالات على سقوطة بمثابة السرطان الحاد الذي يسري في اجسادهم ويقتلهم وهم ينتظرون.
وهناك من يظهر خطورة انشقاق مناف ولكنه في سياق الدفاع عن النظام نفسه، ويعتبر ان هذا الانشقاق بمثابة ضربة موجعة وخطيرة للنظام ولكنها ليست قاتلة، ولا تعطي دلالة على قرب سقوطه، وهؤلاء يحاولون تصبير النظام على البقاء والمحافظة على ما تبقى من معنويات لدى راس النظام والمحيطين به، من منطلق ان لا يستبقوا الاحداث سيما ان النظام يحظى بدعم قوى خارجية متعددة من الصين الى روسيا الى ايران الى الهند، وهي تحاول ان تحافظ على هيكل النظام حتى وان تداعت احشائه ومكوناته ولهم في ذلك مصالح وسياسات ومكاسب يستميتون في المحافظة عليها.
ولكن مضامين الرسالة الموقعة باسم العميد مناف طلاس التي وصلت الى وكالة فرانس برس تضع النقاط على الحروف وتوضح وتؤكد ان طلاس غادر سوريا بعد ان اصبحت حياته وحياة عائلته مهددة بالخطر نتيجة التداعيات وتفكك النظام وعدم سيطرته على البلاد، ووجه طلاس، بحسب الرسالة، شكره الى ‘كل من مكنوني من مغادرة الأراضي السورية التي أصبحت فيها حياتي وحياة أقاربي مهددة وفي خطر’ ودعا ‘العسكريين مهما تكن رتبهم والذين ينجرون في قتال ضد شعبهم ومبادئهم الى عدم تأييد هذا المسار المنحرف..’
موقع الرجل الذي كان يشغله وطبيعة عمله وقربه وصداقته بالرئيس اتاحت له ان يطلع مباشرة على الحالة النفسية والمعنوية المتردية للرئيس نفسه، والتي بدورها اثرت على مناف نفسه وجعلته يسارع الى هذا الانشقاق، كما اتاحت له الاطلاع على تقارير يومية استخبارية وسياسية وعسكرية حول تقديرات الموقف الامنية والعسكرية والحالة السياسية والتقديرات المتداعية والمتوقعة والمستقبلية جعلت الرجل يستشعر الخطر ويحزم امره بالمغادرة، رغم ادراكه التام انه لن يجد مرتعا ودلالا كما لقيه في ظل حكم الاسد المنهار، ولكن حياة الانسان وشعوره بالخطر تجعله بالطبع يطوي كل حسابات اخرى تتعلق بالرفاهية.
لقد غاب عن البعض ان الحقائق لا يمكن حجبها، سيما ان الامر لا يتعلق برتبة او منصب ولكنه يتعلق بالشركاء التاريخيين والفاعلين والداعمين للنظام، وان انشقاق مناف له دلالة واضحة واكيدة على ادراك الرجل ويقينه ان بقاء الاسد ونظامة مسألة وقت قصير، وان الانهيار متوقع في اي لحظة، وان الرجل اراد ان يأمن على نفسه قبل ان تهدد حياته وحياة عائلته بالانهيار المفاجئ..
واذ جاز لي ان اقرب المسألة في الاذهان واصف الانشقاق بايجاز ساقول؛ ان دلالات وتأثيرات وتداعيات انشقاق مناف مصطفى طلاس على النظام السوري تمثل مفصل الانحدار السريع نحو الهاوية .
‘ كاتب اردني
القدس العربي