انفجارات العالم العربي.. هل آن أوان الحلول التوافقية؟/ مهران سالم ()
الإجماع النادر الذي حصل في مجلس الأمن أخيراً، وصدور القرار الخاص بالأزمة السورية، الذي يرمي لوضع حدّ للصراع الدموي الدائر في سوريا منذ قرابة خمس سنوات، وما سبقه من اجتماعات دولية متتالية بخصوص الأزمات المتفاقمة في كل من اليمن وليبيا وسورية، أعطت انطباعاً بأن ثمة جهوداً جادة هذه المرّة، تقودها العواصم الكبرى والأمم المتحدة والدول الإقليمية الفاعلة، لوضع حدّ لهذه الأزمات والمضي على طريق حلول تفاوضية وتوافقية بشأنها. فهل آن الأوان حقاً لمثل هذه الحلول؟، وهل أقلع قطار التسويات في تلك الساحات الملتهبة؟، وما على الجميع سوى الإسراع لحجز مقاعدهم في إحدى عرباته، أم أنه من المبكر إطلاق العنان للتفاؤل ومن الأجدى التريث قليلاً، لأن هناك معوقات وتعقيدات كثيرة ما زالت تحول دون تحقيق الحلول المنشودة؟!.
ولاحظ المراقبون أن دور العامل الخارجي، الدولي والإقليمي، بات هو المسيطر والمقرّر إلى حد كبير في شأن هذه الأزمات. وعلى سبيل المثال، فإن الأسباب التي دفعت نحو تبني القرار الأممي 2254 جاءت على خلفية العمليات الإرهابية التي ضربت باريس وغيرها من المدن الغربية، إضافة إلى التهديدات المحتملة في أماكن أخرى بما فيها روسيا، وكذلك ضغط أزمة اللاجئين المتصاعد على الدول الغربية، فضلاً عن وصول العلاقات بين روسيا وتركيا إلى حافة الحرب، والتهديد الذي تشكّل جرّاء ذلك للأمن الإقليمي والدولي، وكلها عوامل خارجية، ولكنها متأتية عن استمرار الأزمة المتفجرة في سوريا، والتي باتت آثارها وعقابيلها تفيض على دول الجوار وعلى عدد من العواصم العالمية في الوقت عينه.
إذن، وفي ظل خشية العواصم الكبرى والإقليمية من الانهيار الكامل وانفلات الأمور على نحو تصعب السيطرة عليه في سوريا، قرّرت أن تتوافق على ضرورة إيجاد حل لهذه الأزمة. وهو ما ينطبق إلى حد كبير على الأزمتين الأخريين في كلٍ من ليبيا واليمن، مع حفظ الفارق المتصل بعدد من العوامل والاعتبارات الأخرى المتعلقة بحالة كل بلد على حدة.
وبكلام آخر؛ لم يأتِ القرار الدولي الخاص بسورية كاستجابة لمطالب ومناشدات الشعب السوري، بقدر ما كان تلبية لاحتياجات ومصالح دول متضررة من استمرار الأزمة في هذا البلد. ولو بقيت مضاعفات هذه الأزمة مضبوطة في الحدود التي كانت عليها ما قبل العام 2015، لما وجدت، في نظر بعض المحللين، الحماس الدولي الكافي للتفكير في حلّها، أما وقد باتت «تطرطش» الآن على جوارها، القريب والبعيد في آن، فقد أضحت بحاجة إلى إبداء الاهتمام الدولي اللازم بها، ولربما قد بدأت الخطوات الأولى في الطريق الذي قد يفضي مستقبلاً إلى حلّ لها، ولكن بما يلائم، طبعاً، الأهداف والغايات الدولية المتوخّاة في الدرجة الأولى، وليس مصالح وأهداف هذا الشعب المنكوب!.
لكن، وفي ضوء التباين الكبير الذي ما زال قائماً بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، فقد اتصفت الصيغة المقترحة للحل في سوريا بقدر كبير من الغموض والضبابية، وبالقابلية لوجود أكثر من تأويل وتفسير لها، إذ أنها استندت إلى عبارات عامة وفضفاضة، مع تعمّد ترحيل القضايا الخلافية إلى مرحلة لاحقة، قد يتمّ الاتفاق عليها لاحقاً، ولكن تبعاً لموازين القوى التي ستكون قائمة على الأرض، ومدى تمسّك العواصم المعنية بمطالب هذا الطرف أو ذاك، والتوافقات الجانبية فيما بينها على قضايا عدة لا تقتصر على الساحة السورية فحسب، (مثل أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسببها)، مع ما يترتب على ذلك من أثمان، سيستمرّ الشعب السوري في دفعها، حتى انقضاء الوقت المطلوب لتحقيق التوافق النهائي!!.
وعلى رغم التنازلات الجزئية التي قدمتها في هذا البند أو ذاك، لم يستبعد مراقبون أن تكون روسيا قد تمكنّت من فرض «وجهة نظرها» على الجميع في صيغة القرار الأممي المتخذ، علماً أنها ما انفكت تطالب بأن يحسم أمر الرئيس الأسد عبر الانتخابات فقط، مستفيدة من تدخلها العسكري المباشر في سوريا، الذي جمّع أغلب أوراق الحل في يدها، كما كان يقال عن واشنطن في شأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
وهكذا، وعلى رغم الحماس الذي قوبل به صدور القرار الأممي 2254، والهمروجات الإعلامية التي رافقت الاجتماعات المشار إليها آنفاً، فقد استمرّ كثيرون على تشاؤمهم حيال ذلك كلّه، وبخاصة إزاء إمكانية أن يثمر عن شيء إيجابي في المدى المنظور، مدللين على موقفهم هذا بما آلت إليه المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، أو ما يسمّى بـ«عملية سلام الشرق الأوسط«، التي لم تُنهِ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولم تُقمْ حتى الآن الدولة الفلسطينية المنشودة، على رغم الاتفاقات الموقعة منذ أكثر من عشرين عاماً، وإجماع الأسرة الدولية «المفترض» على ضرورة تحقيق ذلك، فيما هم في الواقع يكتفون بمراقبة إسرائيل وهي تستمرّ بقتل الفلسطينيين وتشييد المستوطنات غير الشرعية، ضاربة عرض الحائط بكل الالتزامات الدولية المنوطة بها، والذريعة الجاهزة لتبرير ذلك كله هي «محاربة الإرهاب« الفلسطيني!.
وتنطوي مثل هذه المقارنة على تشبيه، مضمر أو علني، بين الواقع في إسرائيل التي تجد حماية دائمة لها ولأفعالها من قبل أهم العواصم العالمية، وخصوصاً من واشنطن، على نحو يجعلها في حِلّ من أية التزامات تجاه القرارات أو المواثيق الدولية، وبين الواقع في سوريا حيث يجد النظام الحاكم فيها نفسه بحماية مشابهة من قبل عدد من العواصم الدولية والإقليمية (وخصوصاً موسكو وبكين وطهران)، بما يجعله بمنأى عن أية محاسبة، أو أية التزامات قانونية تجاه ما يفترض أنه «شعبه« و«مواطنيه«!.
وفي ضوء ذلك كله، فقد أعرب كثيرون عن خشيتهم من أن يكون استمرار الدمار والقصف المحلي والدولي متعدد الأشكال والجهات، وقتل الآلاف وتشريدهم تحت عنوان مكافحة الإرهاب والقضاء على «داعش«، هو الأمر الوحيد المتاح في سوريا، وبضوء أممي أخضر أيضاً؟!.
() كاتب من سوريا
المستقبل