انقلاب على الأسد/ محمد أبو رمان
نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر أميركية معلومات وتسريبات تشي بأنّ الإدارة الأميركية كانت تبحث، في الفترة الأولى من الثورة السورية، بعد عام 2011، عن مجموعة من الضباط العلويين تقوم بانقلاب على بشار الأسد، وأنّها حددت، بالفعل، أسماء، لكن المحاولة فشلت، ما يعكس تماسك الحلقة الصلبة من النظام.
ويتحدث التقرير عن محاولات الإدارة الأميركية إبقاء “قناة خلفية” مفتوحة مع النظام السوري، من أجل ضمان سلامة بعض الأميركيين المختطفين هناك، عبر وسطاء روس وإيرانيين، وأحياناً بصورة مباشرة عبر ديبلوماسيين أميركيين. لكن، في كل الحالات كانت النتائج سلبية، كما حدث عندما أرسلت تحذيرات من استخدام الأسلحة الكيماوية، ولم يلتزم النظام السوري بذلك، وبعدم استخدام البراميل المتفجرة والنتيجة سيّان، فتجاوز النظام الخطوط الحمراء الأميركية، وعوّضت الإدارة تهديداتها بتوجيه ضربة قاصمة بصفقة تدمير أسلحة النظام الكيماوية، بما يرضي الطرف الإسرائيلي، وباقتراح روسي لتجاوز تلك الأزمة الحادّة.
في نهاية اليوم، لم تحرّك الإدارة الأميركية ساكناً، بينما تحرّك الروس والإيرانيون بفعّالية لدعم النظام، وتزويده بالأسلحة المطلوبة كافّة، ما مكّنه من الصمود، وأنقذ الأسد مرّتين فاصلتين؛ الأولى في نهاية عام 2012، عندما أوشك على الانهيار، فاضطر حزب الله للتدخل مباشرة وبصورة فورية مع فيلق القدس، وتولّى قاسم سليماني الإشراف على معارك عديدة، ما خلق توازناً آخر، لكنه مرتبط بـ”أقلمة” الصراع، وهيمنة إيران على جزء كبير من المعادلة السورية والقرارات المصيرية.
أمّا المرّة الثانية، فقبل أشهرٍ قليلة، عندما تدخّل الروس بكثافة، وبزخمٍ شديد، لإنقاذ النظام، بعدما بدأ يتهاوى بسرعة في معاقله الساحلية، واقتربت المعارضة المسلحة من اللاذقية، وكادت أن تحرّر محافظة درعا بالكامل، للتحضّر لدمشق.
العامل الثالث، غير المعلن، لكنّه الأكثر تأثيراً وفعّالية، في ظنّي، وحمى النظام في اللحظات الحاسمة، هو “الفيتو” الأميركي- الإسرائيلي- الغربي، الذي وضع ضد سقوط النظام السوري أو السماح بانهياره بصورة مطلقة، والذريعة التي تمّ اجتراحها، منذ اللحظة الأولى، تتمثّل بسؤال اليوم التالي لسقوط النظام؛ فالأميركيون يخشون الفوضى واستنساخ النموذج العراقي، وأعدوا تصوّراً دولياً- إقليمياً يقضي بالحفاظ على مؤسسات الدولة، مع تغيير الرأس وهيكلية النظام السياسي، والإسرائيليون وأنظمة محافظة عربية كانت تخشى من البديل الإسلامي القادم، بأيّ نسخةٍ كان؛ سواء جماعة الإخوان أو السلفيين “المعتدلين” (نسبياً)، أو حتى القاعدة أو داعش أو أي مسحة إسلامية سياسية.
كان هذا “الفيتو” مؤثّراً على أكثر من صعيد، حتى ميدانياً، فله الكلمة الحاسمة في أدقّ اللحظات، فقد عمل الأميركيون على عدم تزويد المعارضة المسلحة بأسلحة نوعية، ما حمى مدرعات النظام السوري في البداية، وكذلك الحال بالنسبة لأسلحة الدفاع الجوي. وفي الجنوب، لم يسمح إلاّ بأسلحة خفيفة ومحدودة، وضمن أجندة ميدانية وسياسية مدروسة بعناية من المحور المحافظ العربي والأجندة الغربية، عبر ما عرف بغرفة العمليات (الموك) في الأردن.
كانت هذه المعادلة تتغيّر عندما كانت الولايات المتحدة والأنظمة العربية تشعر بقلق معاكس، أي باختلال التوازن لصالح النظام السوري، فتسمح بمرور الأسلحة، بقدر ما يعيد هيكلة موازين القوى، كما حدث عند تشكيل جيش الفتح في إدلب، الذي حصل على صواريخ قلبت الموازين، أو عندما فتحت الأردن المخازن في بداية العام الحالي (2015) لإفشال الهجوم الكبير الذي كان يقوده قاسم سليماني لاستعادة المثلث الاستراتيجي في ريف دمشق- درعا- القنيطرة.
خلاصة القول إنّ عملية إسقاط الأسد، وبناء البديل المعارض المسلّح، لم تكن معضلة حقيقية بالنسبة لأميركا وأصدقاء سورية، إذا توفرت الإرادة والجديّة، وكان ذلك سيدفع العلويين إلى البحث عن مستقبل آمن، لكن تضارب الأجندات الدولية وتنازع أهدافها وترددها تجاه السيناريو المطلوب، واختراع الحجج التي تبرر التخاذل الحاصل، في مقابل دعم مطلق من الروس والإيرانيين لنظام الأسد، ذلك كله أضعف المعتدلين وقوّى داعش والنصرة، وأبقى الأسد، وليس فشل الانقلاب المزعوم الذي لم يكن سوى محاولة محدودة وهامشية.
العربي الجديد