صفحات الثقافة

انكشاف المثقف الايديولوجي.. يخشون ان تنتج الثورة ‘بن لادنات’ جديدة!

عبدالعزيز البرتاوي

ما يجري معيب وأكثر..أولا أنا أقلّ من أن أتحدث عن عوائد فوائد ثروة الثورة هذه. لكن نقطة ما، تلحّ عليّ كل مرّة. إذ في خضم دفق شلال الدم الزكيّ هذا، تفاجئك بين الحين والآخر، متقاربة لا متباعدة، أصوات ونداءات، كلّ همها مما يجري، حظوظ أوهام، ومطالب أسقام. لكني أجني فائدة يومية، من متابعة كتاب الوجوه والأقدام هذا.

أقصد تمامًا: انكشاف المثقف الإيديولوجيّ ـ بوصفه موظفًا-، الذي أقام في المنفى بعيدًا عن سوريا، برهة من الدهر، إثر خصام بين مصالحه ومصالح الحزب الحاكم، ثم جاء وقت الثورة والدم والنار والقتل والتشرّد والانفجارات واللجوء، ليأتي من بعيد، محدّدا بكلّ برود وعنجهية مترفّعة حمقاءَ للثائرين في الميدان، والملطخين بدم الشوارع، وبقايا عجين الأفران، مقاس ‘اللحية’ العلماني المنشود، وشكل ‘الشارب’ الليبراليّ المزوّق. خشية أن تنتج الثورة ‘بن لادنات’ جديدة على حدّ قوله. هذا من ناحية المثقف ‘المشكل’ الشكلانيّ في أبسط تعاريفه.

فائدة طازجة من مثقفة أخرى إذ هذا هو الوصف الأول الأسهل لكل من كانت بضاعتهم الكلام-، تقيم في دولة أوربية، ببيت مستأجر وضمير كذلك، أنتجت حزمة روايات مبيعها أقل من عدد صفحات واحدة منها، تتأذى من وجود البسملة، وآيات القرآن في صحف ومقاطع الثورة المباركة. تخوفًا من أسلمتها على حدّ قولها. ولائمة القنوات التي تذهب لاختيار ما ابتدئ ببسملة، وتضمّن آيات قرآنية بكونها منحازة لأسلمة الثورة. موجعة نفسها ومتابعيها بين فينة وأخرى بتفشي سواد الحجاب بين اللاجئات. كأن لم يلفت انتبها حسّها المثقف العميق من بين أقمشة الخيام والأكفان والأعلام وعصابات الجروح سوى قطع من أقمشة الحجاب.

شاعر آخر، ابتذل التسوّل بكلّ عاصمة وزمن، طلبًا لجائزة يبدو أن رحيله، أقرب من مجيئها، امتنع عن تأييد الثورة اللاعنة الجالدة منذ البدء، لأن وقت خروجها ومكانه يصادف الجمعة والجوامع، والدين لا يناسب مستوى عمقه الاختلاسي من كتب التصوّف.

شاعر أبيضّ شعره في منافي الثلج، كتب قبل فترة، أنه إن تكن الثورة ستأتي بإسلاميين في سوريا، فليبق بشار. وبمنتهى الارتكاس الإيدلوجي، أعجب متابعوه بمنتهى نبله الفكريّ هذا، دائسين على 200 جنازة عبرت بسبب بشارهم هذا شاشة أخبار المساء.

أي ابتذال يسقط فيه الإنسان. بينما أبناء الثورة مغمسون بالدم والوجع والنار، يتبادل هؤلاء أنخاب ترفهم اللافكري، على بعد آلاف الأميال من الجوع والبرد والخوف والتشرّد، وهمّهم الأوفر: تلمّح مكامن الأسلمة، والنظر من خروم الإيدلوجيات المتعبة المطرودة، تشذيب لحى الثوار، حلق شواربهم، نزع حجابات نسائهم، والتقزز من أسماء جُمعهم وجماعاتهم ـ إن صادفت آية-.

هل تعلم سيدي القارئ أن مثقفًا يأخذ معه موضوع التأكيد على صوابية حظر جبهة النصرة، أكثر مما تأخذ من حسابه مساحات التعزية والإنكار -على أقلّ الأقلّ- لكلّ مجازر داريا والحولة وحلب وبابا عمرو وكرم الزيتون وحلفايا وكل الأفران المخبوزة بالوجع والدم، ولا يزال مثقفًا، وسيبحث عن حظوة حين تعود سوريا إلى كامل أفراحها.

كلمة واحدة، ليس أكثر منها، بأمانٍ مطولة، أن تجد صدى في لغاتهم المستأجرة والمتجددة، لا بثقافتهم، بل بحسب منافيهم ‘الباردة’: عييييب.

‘ كاتب من السعودية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى