صفحات الرأي

بؤس الهوية و”الدولة العميقة”/ ماجد الشيخ

 

 

يؤسس التكفيريون وعقائديو أيديولوجيا التدين لأزمة هوية، تستفحل كلما عبّر مشروعهم «العقائدي» عن صدمته الحضارية، وراوح عند أزمنة شكلت معلماً بارزاً من معالم انحطاط مدوية كانت، وتكون مدوية الآن، من دون أن يخرج من قيعان انحطاطاته العميقة التي نتجت من تلك الصدمة التي لم تزل بتفرعاتها تؤسس، بل وتنتج أزمة عميقة من أزمات هوية بات من الصعب الشفاء منها، بل أضحى من «السهل غير الممتنع» أن تقود لحروب وتذابح الهويات الفرعية وغير الفرعية، نظراً لتعميق حال التفكك والتفتيت الجهوي والمناطقي والطائفي والمذهبي، كمعلم بارز من معالم هوية لم تتبلور من الأساس، بقدر ما ساهمت في ضياع الجهد والقوى وتبدد الإمكانات والطاقات.

هكذا تذهب الدولة العميقة، وهي شكل وجوهر النظام السياسي القائم في بلد من البلدان، إلى التماهي مع كل نظام سياسي، بغض النظر عن كيفية وصوله إلى السلطة، حتى إنها لا تقدم ولن تــقدم على محاكمة أو إدانة نظام سياسي هو ربيبها، وهو جــزء أصيل من تركيبة وتكوين سلطة القمع والغلبة، التي «جيء» بها، بغض النـظر عن كيفيـــة هذا المجيء، كي تكمل مسيرة النظام، الذي أضحى إرثاً سلطوياً، ليس من السهل التخلص منه في ظل تأثيرات ومفاعيــل الوجــود الفــاعل لعناصر «الدولة العميقة» التي إحدى سماتها الأبرز هيمنتها ليس على السلطة السياسية، بل على كامل شؤون الاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة السائدة، وحتى التديــن السائد.

ولئن لم تقم الثورات إلا بهدف تغيير الواقع السائد، في بلاد تحجّرت فيها الأنظمة السياسية، وتصحّرت مجتمعاتها، فإن قوى وتيارات «الإسلام السياسي» تضطلع بمهمة إعاقة وتعطيل أي تغيير، وإبقاء الحال على ما هي عليه، إلا في ما ندر. وهذا هو واقع الحال في بلاد كان أمل شباب الربيع العربي أن ينجز خلالها عملية تاريخية، يتم بموجبها تحطيم أصنام الهوية، للخروج من بؤس «الدولة العميقة» التي وسمت كل شيء بميسمها، من دون أن تستطيع الخروج من شرنقة الهوية وبؤسها. وهكذا كانت النقلة النوعية نحو انقلابات مضادة، وفوضى شاملة، وحروب أهلية مديدة، تقودها قوى وتيارات متنوعة من «إسلام سياسي»، ليس من أهدافه أي تغيير أو تحديث سوى ما يتعلق منه باستحداث ما يتلاءم وأهداف إقامة «خلافة» و «ولايات» و «إمارات».

فأي مطب أو مطبات تاريخية تردينا ونتردى فيها، ووقعنا وأوقعنا حالنا التاريخي، وواقعنا الراهن فيها، معلقين أزماتنا وإخفاقاتنا ونكوصنا على الغير القريب والبعيد، من دون أن نحمّل أنفسنا مسؤولية ما نتردى فيه من قيعان تخلّف.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى