صفحات العالم

بابا عمرو البطولة الأسطورية


علي حماده

أكثر ما تكشفه معركة بابا عمرو والاحياء المحاذية الواقعة منذ أكثر من شهر تحت نيران مدافع بشار الاسد ودباباته، ان حفنة من الرجال المؤمنين بقضية محقة انسانيا واخلاقيا تقوم على فكرة النضال من اجل الحرية والكرامة، يمكنها ان تدفع بنظام مدجج بالسلاح ومستقو بجيش جرار الى الخروج عن طوره. بالطبع، ان النظام في سوريا لا يحتاج الى الكثير لكي يتحول سلوكه القمعي نهجا يقوم على ارتكاب جرائم ضد الانسانية مستمدة من إرث النظام ومؤسسه حافظ الاسد الذي سبق ولديه الى هذا النمط من القتل والاجرام، فقامت جمهوريته فوق الجماجم. ولكن الفارق الاكبر بين امس واليوم يتلخص في ان الثوار اليوم يدركون حق ادراك ان فشل الثورة هذه المرة سيعيد البلاد الى السجن المديد، وسيعيد عصر العبودية الذي ثاروا ضده في الاصل. هؤلاء يعرفون تماما ان الهزيمة ممنوعة والفشل ليس في الحسابات، فالمعادلة الوحيدة الممكنة هي الانتصار او الاستشهاد. هذا تماما ما يحصل في مدينة مثل حمص، وبالتحديد في حي بابا عمرو حيث يؤثر الثوار على القتال حتى الموت، على ان يستسلموا لان النظام لن يقبل بأقل من ارتكاب مجازر جماعية بحق الاهالي والثوار.

نقول هذا في وقت يستدعي التفكير قليلا في الاحتمالات المطروحة راهنا في حال سقوط حمص:

١- يمكن سقوط حمص ان يفتح الباب لسقوط كامل لكل الجوار الثائر، بدءا من الرستن وصولا الى حماه، وبالتالي يتم قطع التواصل بين شمال البلاد وجنوبها لمحاولة تقطيع اوصال البلاد وتصفية الثورة.

٢ – سقوط حمص سيعوق تقدم الثورة من الناحية العملية، ويمكن ان يطيل من عمر النظام ويمنحه وقتا اضافيا.

٣ – يتضح ان تعجيل بشار الاسد في حسم الوضع في حمص مرده الى علمه ان القرار هو تسليح المعارضة، ولا سيما “الجيش السوري الحر”، ومن هنا حاجة النظام الى التقاط انفاسه واشاعة جو من التفاؤل في الاوساط المؤيدة له، واخافة البيئات المترددة والتي صارت على حافة الانقلاب عليه.

٤ – على مستوى الثورة، تدرك القوى المعارضة ان سقوط حمص وما يرافقها او سيعقبها من مجازر جماعية بحق المدنيين والناشطين يعكس صورة الوضع مستقبلا اذا ما تراجعت الثورة، وبالتالي فإن تزخيم الثورة بعسكرتها صار الخيار الوحيد المطروح لمواجهة نظام بشار الأسد واسقاطه مهما كلف الامر.

٤ – ان سقوط حمص سيضع الدول العربية المساندة للثورة، ومعها الدول الغربية التي لا تزال تتردد في العسكرة، أمام حسم امرها واتخاذ قرارات كبيرة، لأن انتصار بشار الاسد ستكون له انعكاسات خطيرة للغاية، ليس اقلها استتباب النفوذ الايراني في المنطقة وترسخه لأمد طويل بما يهدد امن المنطقة ومصالح الغرب عموما.

ان معركة حمص تختصر اليوم حربا عربية – اقليمية – دولية، ونتائجها البعيدة سترسم صورة المرحلة المقبلة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى