صفحات الناس

“باص” أحمر يقسم حلب إلى نصفين/ باسل الجنيدي

 

 

قد يبدو باصاً عادياً للنقل العمومي احترق أثناء الحرب، لكنّه اليوم يُشبّه بحائط برلين، إنه الباص الذي يقسم حلب إلى قسمين: محرر ومحتل، شرقي وغربي، ويغلق المنفذ الوحيد الذي يصل بينهما.

ويصل معبر “بستان القصر”، أو “معبر كراج الحجز” منذ قرابة العام والنصف، بين المناطق التي سيطر عليها الثوار من مدينة حلب، وبين المناطق التي مازالت تحت سيطرة النظام، لم يعد يمرّ منه أحدٌ منذ أربعة أشهر وأغلق بشكل كامل من طرف النظام، وبهذا، انقطع الاتصال تماماً بين جزأي المدينة.

وقبل أن تبدأ هجمات “البراميل” على الجزء المحرر من المدينة، لم تمنع رصاصات قناصة النظام عشرات الآلاف من العبور يومياً من جانب “الباص” ذهاباً وإياباً.

واعتادت حلب أن تزفّ “شهداء المعبر” بشكل يومي، كما يعبر الموظفون وطلاب الجامعات من الجزء “المحرر” إلى “المحتل”، ويعبر عشرات الآلاف من المناطق المحتلة إلى المناطق المحررة للتبضع وشراء الخضراوات والفواكه والرز وعبوات الغاز وغيرها، وهي السلع التي كانت أرخص في المناطق المحررة طالما أنّها متصلة بالريف المحرر، وتطلّ على الحدود التركية.

ويكتسب المعبر أهميته القصوى في الحالات التي ينجح فيها الجيش الحر بحصار المناطق المحتلة بشكل كامل، إذ يصبح المنفذ لسكان هذه المناطق لتبضع الطعام والحاجات الأساسية.

ما أغلق بالدم لا يفتح إلا بالدم

ويتقدّم الجيش الحر في جبهاته بشكل غير مسبوق هذه الأيام، ويبدو الأمر وكأنه مسألة أيام قليلة حتى يطبق كمّاشته على مناطق النظام ويحاصرها بشكل كامل مرة جديدة.

وبعد شهور على إغلاق المعبر بـ”الباص”، وهجمات البراميل، التي جعلت المناطق المحررة خالية من سكانها – وهي التي كانت تحوي نحو مليوني نسمة قبل شهور قليلة – بدأ الجدل منذ الآن في الشارع وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي، حول ما إذا حُوصرت حلب النظام، هل يفتح المعبر أم يترك مغلقاً؟

ويشبّه بعض النشطاء هذا المعبر بـ”حائط برلين”، ويعترفون بصعوبة مهمة إزالة “الباص” وإعادة الصلة بين جزأي المدينة، ويبدو التوتر وكأنه بلغ أوجّه، حيث هجّر مئات الألوف – في الجزء المحرر – بيوتهم واستحالت المدينة إلى دمارٍ كامل تحت البراميل، في حين أن الجزء المحتل ظلّ هادئاً بشكل نسبي، وتسهم العوامل الاقتصادية والطبقية لتجعل المدينة تبدو وكأنها أصبحت مدينتين تتناصبان العداء، و”المعبر الذي أغلق بالدم لن يفتح إلا بالدم”، كما يعلّق أحد الناشطين.

وتبدو ملامح الانقسام واضحة، حيث يطلق الجيش الحر بين الحين والآخر قذائف الهاون نحو المناطق المحتلّة لإصابة أهدافٍ عسكرية، ولا يبدو أن الإصابات التي يوقعها بالمدنيين عن طريق الخطأ تقلقه كثيراً، فالمدنيون يموتون يومياً وبالعشرات تحت البراميل، فماذا يعني أن يموت شخصٌ أو اثنان بقذائف الهاون في مناطق النظام، هكذا يبررون .

وبالمقابل، يبدو الطرف الآخر منشغلاً بهمومه، وهو يقع تحت قبضة أمنية خانقة من النظام، ومشلول من دون أيّة قدرة على الحركة، وقد بدا بمظهر المتفرّج على “حلب المحررة” وهي تقصف بالبراميل، تمنعه القبضة الأمنية من إبداء أي مظهر من التعاطف أو الاعتراض، عدا عن كون أن هذا الطرف يمثل المجتمع الحلبي “الأرستقراطي”، الذي يخشى الحرب ويقلقه المجهول.

وهو لا يبدو اليوم مرتاحاً لفكرة دخول “الحر” لمناطقه، حيث يخشى براميل النظام التي قد تتهاطل عليه، ويخاف الانتقام، والمظاهر المتطرفة الغريبة عنه التي أفرزتها داعش وأخواتها، لكنه أيضاً يكره النظام، ويعرف الظالم تماماً بعد أن عاشره لعام ونصف وهو يدمّر حلب.

وتبدو المعضلة الأساسية التي يحاجج بها سكان الجزء “المحتل” من حلب ونشطاؤها، حتى الثوريين منهم، أنّ المناطق المحررة لم تنجح في تقديم أنموذج مبشّر، سيطرت عليه ممارسات “داعش” في الشهور الماضية، وحينما ثار “الحرّ” على داعش وطردها من حلب بدأ النظام يشنّ هجمات البراميل ودمر المدينة عن بكرة أبيها، ولم يسمح النظام لهذه المناطق ولا ليوم واحد بأن تنعم بالرخاء وتقدّم الوجه المرجو من الثورة، وتناوب عليها هو و”داعش” في شكل يبدو وكأنّه منسّق ومتفق عليه.

وفي حلب، لا يبدو اليوم الانقسام واضحاً بين معارض ومؤيد كما كان سابقاً، وكما يتجلى في مدنٌ أخرى، بل نجح النظام في جعل الانقسام وكأنه بين مدينتين أو دولتين، شرقيّة وغربيّة، محررة ومحتلة، يفصل بينهما “باص” ستكون إزالته انتصاراً لسوريا واحدة، ليس فيها حكمٌ للأسد.

حلب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى