بانتظار الانقلاب العسكري
ساطع نور الدين
المسافة تكبر يوما بعد يوم بين ما يجري في داخل سوريا وما يدور بشأنها. كأنها حرب معزولة عن أي مسار سياسي ، بل منفصلة عن اي ادارة سياسية. وهي تقع تحت مسؤولية قيادات عسكرية ميدانية تشرف على المعارك وتجلب المال والسلاح.. ولا شأن لها في السياسة، ولا في الجدل الدائر عن الحوار والتفاوض وشروطهما او عن الخلافات الأزلية التي تحول دون توحيد المعارضة السورية او تشكيل مؤسساتها الانتقالية.
الصلة شبه مقطوعة بين مقاتلي الداخل ومعارضي الخارج، وبدلا من ان يبدو ان ثمة فريقا يقاتل ويحدد خطواته العسكرية بناء على تنسيق او على تقدير يخدم الفريق المفاوض، ظهر في الفترة الماضية ان كل ما بني في الخارج على مدى العامين الماضيين، مهدد بالاضمحلال أمام تشكيلات عسكرية وأمنية وسياسية أنتجها الداخل وهي ماضية في طريقها، التي لا تخضع لأي اعتبار او حتى قرار خارجي.
هذه الظاهرة ليست طارئة على الازمة السورية لكنها تفاقمت أخيرا، بعدما صار اي ضابط منشق معارض يظهر على التلفزيون يتمتع بالمصداقية والجدية اكثر من جميع المعارضين السياسيين المقيمين في المنفى والذين أدمنوا الشاشات حتى أصابوا الجمهور بالسأم.. وبعدما بات التوسع الميداني للجيش الحر أكبر من ان يستوعبه التحرك السياسي في الخارج، الذي يتردى ويغرق في متاهات لا حصر لها.
الخيار العسكري المعارض يتقدم على الأرض بخطى ثابتة، ويثبت انه لم يعد بحاجة الى أي غطاء سياسي خارجي، او الى أي قنوات اتصال او وسطاء سوريين منفيين، من اجل الوصول الى مصادر المال والسلاح التي يبدو انه فتحت أخيرا بعد طول تردد وانتظار، وباتت مؤهلة اكثر من اي وقت لقلب موازين القوى مع النظام.
القرار لم يتخذه المعارضون السوريون سواء في الداخل او الخارج ، لكنهم استدعوه واستحقوه بإصرارهم على المقاومة طوال العامين الماضيين، بغض النظر عن الأكلاف البشرية والمادية الباهظة، او ربما بسبب تلك الأكلاف التي أصر النظام ولا يزال يصر على حصادها، من خلال اللجوء الى سلاحي الطيران والصواريخ.. وقريبا جدا الإسلحة الكيميائية!
ولعل الاقتراب من خيار يوم القيامة “الكيميائي” هو احد الحوافز التي دفعت أشقاء الشعب السوري وأصدقاءه الى التخلي عن التردد في فتح مخازن التسليح أمام الجيش الحر، لا سيما بعدما رفعت اميركا وإسرائيل الفيتو عن هذه الخطوة، وبعدما استنفدت فكرة الاستنزاف المتبادل لطرفي الحرب السورية وحلفائهما غرضها.. وزاد الإلحاح السوري والعربي والاسلامي على واشنطن من اجل الامتناع عن عرقلة اي جهود لوقف تلك المذبحة المروعة.
الخيار العسكري لن يكون ميدانيا فقط. ثمة ما يبرر الاعتقاد بان الخارج الذي ضجر من المعارضة السياسية السورية قرر في نهاية المطاف العودة الى الفكرة الأولى التي طرحت كمخرج من الازمة، ولقيت صدى واسعا، كما خضعت لبعض التجارب العملية، وهي الاعتماد على المؤسسة العسكرية السورية من اجل حسم الصراع المتصاعد الذي قد يخرق ما تبقى من محرمات ، باتت قليلة فعلا.
وهو اكتشاف قديم يستحضر مجددا، مفاده ان الجيش الحر يمكن ان يعيد الإسلاميين المتشددين الى حجمهم الطبيعي، مثلما يمكن ان يخترق صفوف النظام بسهولة ومهارة أكبر وكلفة اقل، إذا ما حصل على المال والسلاح والتدريب والغطاء اللازم لمثل هذه المهمة التي لم تعد تحتمل التأجيل.. والتي قد لا تحتاج الى معارك ضارية بين الجيشين بل ربما الى اتصالات مكثفة والى عروض مغرية تؤدي الى تحقيق الهدف المنشود.
الخيار العسكري الذي تقرر أخيرا، لا يعني تسليح الشعب السوري، كما كان يعتقد، او تسليح الإسلاميين كما كان يخشى، بل توفير البديل لهذين الخيارين المشؤومين.. حتى ولو اقتضى الأمر ان يصدر من الإذاعة السورية البلاغ الرقم واحد، الذي كان محظورا قي بقية بلدان الربيع العربي.
المدن