صفحات الثقافةممدوح عزام

باولو كويلو: سعادة التلصص/ ممدوح عزام

 

 

يتصدر باولو كويلو قائمة الكتب الأكثر تحميلاً وقراءة، في معظم المواقع التي تقدم الكتب المجانية على شبكة الإنترنت. يمكن الاعتراف أيضاً أنه يتفوق على جميع الكتاب في سوق التوزيع (خصوصاً أنه يحظى بدعم طباعي من قبل قراصنة الكتب)، ومن الصعب أن تجد كاتباً عربياً استطاع أن يخفض الحضور الذي ينعم به، على رفوف المكتبات السورية، باستثناء كتب التنجيم التي تكاد تستولي على سوق القراءة، وتزاحم الروائي، في الشهرين الأولين من كل عام.

في حين يندر أن تجد في المكتبات أي كتاب سياسي أو تاريخي رصين، وإذ تضاءلت حركة النشر إلى حدودها الدنيا في الداخل، فإن المرء يحتاج إلى معونات سندبادية كي يتمكن من استحضار الكتاب الجديد إلى مكتبته من أسواق النشر.

غير أن التزاحم لا يدوم كثيراً، إذ تمضي التنبؤات السعيدة إلى المجهول. تتلاشى مكانة النجوم والكواكب، ليعود الكاتب إلى فترينات العرض، متباهياً بجديده.

لماذا؟ ما سر باولو كويلو؟

يمكن الكلام هنا عن حرف التوجهات، إنه فعل مقصود يقوم به القارئ نفسه، فيما يقدم له الروائي المادة المطلوبة. فبدل الجدال المولد للشجارات والمعارك، حول وضع النظام، أو مستقبل سورية، أو تحالفات القوى السياسية، أو اسم الثورة، يمكن التسلل إلى موضوع شخصي لا يضطر القارئ إلى الخوض في المسائل الحياتية العويصة التي لا تجد حلاً.

تثير روايات كويلو “نقاشات” في مقلب آخر من العالم اليومي لقرّائه، يتحول ليل النفق المظلم، الذي تعيشه اللحظات السورية الراهنة، إلى ليل واقعي يحتدم فيه الجدل حول صحة ادّعاء الروائي في أن أي فعل جنسي بين رجل وامرأة لا يزيد في أحسن الحالات عن “إحدى عشرة دقيقة”! أو يخوض اثنان سجالاً يجرّم أحدهما فيه “الزانية”، بينما يمنحها الثاني منهما البراءة لخروجها عن قواعد المؤسسة الزوجية المملة.

ليست سعادة التلصص على الجنس، كما يعرضه، هي الجاذب الرئيس. فالروائي الخبير، استطاع أن يملأ رواياته بانتفاخات فلسفية ترطن بها عاهرة نصف متعلمة، مرة، أو زوجة متبطلة ملولة تبحث عن “التجديد” في أسرَّة الرجال مرة ثانية.

ولكني أفكر أن مثل هذه المقاربات السريعة والسهلة لفلسفة الحياة، قد تشغل الفراغ الفكري الذي يلف حياة السوريين اليوم، وتعمل على “تهدئة الاضطرابات” التي يعانونها، أو “تخفيف التوتر” التي تجيز الهرب من ضغوط الحاضر إلى ارتياح القراء السهل. أو تضمن لهم حلاً لمشكلة ما، لا ضرورة أن تكون مشكلتهم الراهنة، بل المؤجلة، وبهذه الطريقة يستطيع الروائي أن يتفوق على المنجم.

وليس مستغرباً في حالتنا أن يكون الروائي أجنبياً، يثير مشكلات سهلة نستطيع إجراء أي جدال حولها، من دون غبار واستجوابات. فهذا أفضل بكثير من الروائي العربي الذي “يفتعل” قضايا شائكة ومشكلات معذبة لا تجد لها حلاً في الواقع، وقد تورّط قراءها في مصائر جديدة مقلقة، أو تساؤلات منهكة.

ليست الأسرار في جعبة الروائي، ولا يتحمل أي مسؤولية أخلاقية أو فكرية عن أرقام التوزيع.

إنها حالنا نحن.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى