بحيرة الدم
يوسف عبدلكي
ها هو الدم يُسفَح في الشوارع.
يخرج المرء ليقول إنه ضاق ذرعاً بعيشه وامتهان كرامته، فلا يقول له احد شيئاً. يأتي الرصاص ليتكفل الأمر! يكتب طفل على الحائط جملةً طالما سمعها تتردد على شاشات الفضائيات، فلا ينهره أحد. اقتلاع أظفاره أجدى! يفتح شبّان قمصانهم أمام الدبابات، فلا يعتبر أحد ذلك عواءً آدمياً لأجل الحرية. الثقوب في الصدر أكثر بلاغةً!
بلاغة الدم، الأمر الوحيد الذي يجيده الذين لا أفواه لهم إلا لتأكل أعمار البشر، ولا آذان لهم للإصغاء إلى الآخرين، فالآخرون غير موجودين!
نحن الآن في بحيرة الدم…
يستنجد المحاصرون والجرحى لكي لا يستمر القتل، فيُقتلون! ليس مؤكداً أن من يقتلون أبناءنا يدركون أنهم يقتلون أنفسهم في الآن نفسه! وأنهم في كل مرة يضغطون على الزناد تغوص أجسامهم أكثر في رمال الدم المتحركة.
ماذا يفعل الفنان في بحيرة الدم؟ لا شيء يفعله سوى أن يمضي للتظاهر؛ والموت في انتظاره. أو ينتظر نهاية حمّام الدم، وربما انزلاق بلده إلى حرب يطحن أهلها أهلها. أو يرسم كي يقول لضميره أنه ليس متواطئاً مع القتلة! وأنه في صف الأمل. في صف من يستشهدون.
أي شيء يفعله الرسام الآن لن يكون إلا لا شيء في بحيرة الدم… بحيرة الدم… بحيرة… بحيـ…