“بداية تنحـّي” بشار الأسد
وسام سعادة
لم يبق أمام بشار الأسد، بعد أن أقصى، شكلياً، حزب “البعث”، الشكلي، عن قيادة الدولة الشكلية بدورها في سوريا الا ان يجيب على السؤال الأهم: السؤال الذي ظاهره الشكلي هو عين مضمونه، والذي يتعلق برئاسة الجمهورية، خصوصاً بعد ان انضوت روسيا بدورها في اطار الاجماع الكوني على اعتماد مندرجات المبادرة العربية في هذا الشأن. الاختلاف الروسي ما عاد يتصل بابداء موقف سلبي من التنحي، بل ينحصر في الرفض القاطع لتدخل عسكري غربي، يتسابق كل الغرب على النأي بالنفس عنه، بروحية ميقاتية!! .
لا بأس اولاً بالعودة الى الكلام “العقائدي”. ما كان يبرٌر عقائديا، لبشار الاسد، البقاء في السلطة “الى الأبد” هو انه قائد لمسيرة الحزب القائد في المجتمع والدولة، الحزب القيّم من جهته على “الرسالة الخالدة” في “الوحدة والحرية والاشتراكية”. كان هذا نظرياً، وشكلياً، وهزلياً، لكنه كان التبرير الوحيد الممكن، بل انه التبرير الموازي للطريقة الكورية الشمالية في حفظ العلم الماركسي اللينيني ونظرية “زوتشيه” (وحدة الزعيم والحزب والشعب الكادح في رمز ابدي متجدد) في الحمض النووي لكيم ايل سونغ ثم نجله كيم جونغ ايل ثم حفيده كيم جونغ اون.
أما وقد حاول بشار الاسد التفلت من سيناريو التفاوض على التنحي، والعد العكسي له، على الطريقة التونسية والمصرية أو حتى اليمنية، معتمدا مخرج التضحية بالامتيازات اللادستورية لحزب البعث في الدستور السوري، فقد صار امامه احد حلين: اما الغاء النظام الجمهوري في سوريا، واستبداله بنظام ملكي، واما التنحي. ليس هناك من مخرج ثالث. ما لم يفهمه بشار الاسد حتى الآن، هو ان الاقصاء الشكلي لحزب البعث يستوجب مباشرة تنحيه. التوريث كان يجد تبريره في نظرية شمولية: الشعب المناضل يتوحد حول الحزب المناضل والحزب يتوحد حول القائد المناضل. حفظ هذه الوحدة النضالية يستدعي الحاق الهزيمة بالمؤامرة البيولوجية (موت القائد) من خلال التوريث البيولوجي. سوريا، كوريا الشمالية، لكن ايضاً كوبا، وليس من دون اسف على تجربة كان لها ان تتطور بشكل مختلف، ربما.
لكن الشعب المناضل ما عاد يتوحد حول الحزب المناضل. بل صار ينقسم على اساس الموقف من النظام او من الثورة، ويتوحد بالحد الادنى على الاقصاء الشكلي لحزب البعث. والقائد ضحى بقيادة الحزب للمجتمع والدولة، اي انه ضحى بأي مبرر يكفل له الاستمرار في مصادرة المنصب الاول في الدولة السورية. اما اهليته لقيادة الفترة الانتقالية، فكانت ورقة أعطيت له من الجميع في البداية، وخسرها بسجل حافل من المجازر التقسيمية للشعب السوري.
ثمة مفارقة اساسية في الوضع السوري: كلما كانت الثورة في مأزق كانت افعال بشار الاسد تنقذ هذه الثورة من مأزقها. القمع الدموي المتنقل من مكان لمكان أتاح للثورة بدورها توسيع دائرتها. السجال حول سلمية او عنفية الكفاح ضد النظام الفئوي البعثي، حسمه احتلال حماة. واليوم، ما عاد للجيش الفئوي من سيطرة على المناطق السورية كافة، وحيثما هو يسيطر يتمكن من ذلك اما بشكل فئوي نافر، او بشكل دموي له ثمنه، واما بشكل احتلالي مرهق لاصحابه، واما بشكل محدود يتيح المزيد من الانشقاقات.
لو ان بشار الاسد كان يتابع المعركة تحت راية “البعث”، لكان لكل ذلك مبرراته في مكان ما. أما وانه تخلى عن هذه الراية، فهذا لن يزيد نظامه “ديموقراطية”، بل العكس تماماً. السؤال الآن ملح اكثر من قبل: من اين لك هذا الكرسي يا بشار الاسد، اما وقد أنهيت حالة الطوارئ وحكم “البعث”؟.
هنا، اول الاختلاف، بين بشار الاسد والروس. عند الاسد، ان اقصاء الحزب هو لتفادي التنحي. وعند الروس، اقصاء الحزب هو افضل طريق للتنحي مع بعض المماطلة.
في عالم اليوم، المنقسم على كل شيء تقريبا، صار الاجماع على تنحي بشار الاسد عالميا الى اقصى درجة، بل الى الدرجة التي تجعل تذاكي الاسد، باقصائه “البعث”، هو اول التنحي.
المستقبل