صفحات الناس

بداية جديدة… سوريون يبحثون عن وطنٍ آخر

بيروت – “لستُ مهرّباً”، يقول أبو خالد، “ولكن يمكن أن آخذك الى أوروبا لقاء مقابل”. أبو خالد هو جزء من شبكة تعمل في إزمير، وهي مدينة واقعة على الساحل الغربي لتركيا. وهو يتحدّث عبر الهاتف مع عبد الله، لاجئ سوري في اسطنبول يتحرّى عن طريقة العبور الى أوروبا.

نذهب عبر البحر” يتابع شارحاً. “إنّنا نحمّل شاحنات على بواخر متوجّهة الى إيطاليا أسبوعياً، وقبل أن تُبحر، نخبئ شخصين في إحدى حاويات الشحن”.

مع عدم توفّر خيارات الدخول بشكل قانوني الى أوروبا، وتزعزع الأوضاع في المنطقة، يعتمد العديد من السوريين على المهربين من أجل الدخول إليها. ذلك أن غياب أي استراتيجية شاملة للاستقرار [في أوروبا] يُجمع عليها أعضاء الاتحاد الأوروبي، عاد بفائدة كبيرة على المهرّبين، كما يقول ناشطون وبعض المنظمات غير الحكومية.

وعن ذلك يقول الدكتور جورج جوزيف، ممثّل كاريتاس السويدية، وهي منظمة دولية غير حكومية تقيم حملات حول حقوق المهاجرين، إنّه يجب توفّر طريقة قانونية ما تمكّن المدنيين من الهروب من الاضطهاد. ورغم وجود نقاش حول تأمين تأشيرات دخول إنسانية أو إزالة القيود المفروضة للحصول على فيزا لضحايا الحرب، لم يكن هناك أي رغبة سياسية بالموافقة على مثل هذا الاقتراح.

“إذا كان الاتحاد الأوروبي لا يريد السماح بحصول تهريب من دولة الى أخرى، ورؤية الناس يفقدون حياتهم أثناء عملية التهريب، يجب أن يكون هناك إذاً طرق قانونية لا تجرّم من يهربون الى أوروبا” قال الدكتور جوزيف.

وكان السويد البلد الوحيد الذي سمح بإقامة السوريين فيه بشكلٍ دائم. فتوفير إقامة دائمة هو أمر جوهري لأنّه يسمح بلم شمل العائلات، وهي سياسة تتيح للاجئين إحضار عائلاتهم من سوريا والبلدان المجاورة. إلاّ أن الوصول الى السويد يبقى عائقاً كبيراً.

وفي أثناء ذلك، وفرّت ألمانيا ثاني أكبر استجابة إنسانية من خلال تقديمها إقامة لسنتين لـ 5000 سوري. ولكن مقارنةً بلبنان، البلد الذي يُعد نحو 4 ملايين ونصف المليون نسمة والذي استوعب 1300000 سوري، تبدو استجابة ألمانيا غير ذات قيمة كبيرة.

“رغم أنّ ألمانيا استقبلت 5000 شخص، فهذه نقطة في محيط”، قال الدكتور جوزيف. “ورغم أنّ إنقاذ حياة واحدة هو إنقاذ حياة واحدة، فإنّ المجتمع المدني بحاجة الى تفهّم أفضل للأزمة من أجل الحث على إيجاد حل حقيقي”.

فضلاً عن ذلك، فإنّ الإقامة المؤقتة تحول دون وجود أي قناة قانونية من أجل جمع شمل العائلة. وقد وصف ستيفان كسلير، المسؤول عن التخطيط والدعم في جمعية رعاية اللاجئين اليسوعية في أوروبا، وهي منظمة كاثوليكية عالمية غير حكومية، العوائق التي تواجه السوريين في ألمانيا.

“تخيّل أنّك رجل سوري مقيم أساساً في ألمانيا” قال السيّد كسلير. “تخيّل أنّك تريد إحضار عائلتك بأكملها من سوريا. تريد لم شملها. ولكن في الوقت الحالي، الأمر مستحيل تقريباً. فماذا بإمكانك أن تفعل سوى الاعتماد على المهربين؟”

اللجوء الى المهربين هو بالضبط ما اضطّر للقيام به علي، السوري الفلسطيني. فقد قيل لعلي إنّه سوف يوضع في إحدى بواخر الشحن المتوجهة الى اليونان. إلاّ أنّه بعد أن أعطاهم ماله، وُضع على زورق نجاة منفوخ مع 25 شخصاً.

“أخذ مني 2500$ وتركنا نموت”، قال علي. “ولكنّنا لم نمت. لا أعرف كيف نجونا، ولكنّنا نجونا”.

ومن اليونان، دفع علي لمهرّب آخر 5500$ للحصول على بطاقة سفر وجواز سفر، ومن هناك، نجح أخيراً في الوصول الى السويد.

وفقاً لاتفاقية دابلين، على اللاجئين، عند وصولهم الى أوروبا، أن يقدّموا طلب لجوء سياسي الى أوّل بلد يدخلونه. غير أنّه مع وجود إيطاليا واليونان وإسبانيا عند أطراف منطقة الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت هذه الدول دائماً قبول أعداد كبيرة من المطالبين بالحصول على لجوء سياسي فيها.

كما أنّ هذه البلدان لا تمتلك فقط القدرة الأقل على إيواء اللاجئين، بل وفيها كذلك أقل نسب الموافقة على منح لجوء سياسي. ونتيجةً لذلك، فقد تهرّب حرس الحدود الوطنية فيها من تسجيل السوريين وشجعوا الآلاف منهم على متابعة طريقهم نحو بلدان أخرى.

وفقاً لتقديرات الهيئة العليا للإغاثة لشهر أيلول 2013، يهرب من سوريا يومياً قرابة 5000 شخص. وفي حزيران، قدّرت الأمم المتحدة بأنّ 5000 شخص يموتون في سوريا شهرياً. ولكن مع بحث الناجين عن بداية جديدة، يستغل المهربون مصائب الحرب.

“صدّقني لستُ مهرباً” قال أبو خالد. “هذا عمل ابن شقيقتي، وليس عملي. ولكن مقابل 6500 يورو، أستطيعُ أن آخذك الى أوروبا. وصدّقني، هذا ثمن بسيط كمقابل للحصول على بداية جديدة”.

غير أنّه يبقى كثيرون لا يستطيعون دفع مثل هذا الثمن.

يتمنّى عمر، وهو سوري يعيش في محافظة أنطاكيا التركية، لو أنّه يستطيع تحمّل هذه التكلفة وبالتالي المخاطرة [من أجل تغيير واقعه]. “كنتُ سأذهب غداً لو أنّي أستطيع”، قال عمر. “ولكنّي لا أستطيع. لن أتمكّن أبداً من جمع مثل هذا المبلغ من المال”.

وفقاً للسوريين الذين يحاولون الهرب، فإنّ المهربين يطلبون منهم دفع مبلغ يتراوح بين 3000 و10000 يورو. وفي الوقت نفسه، مع بروز أكبر أزمة لاجئين منذ عقود وجهوزية المهربين لاستغلالها، فقد فشل أعضاء الاتحاد الاوروبي في التوحّد [لمعالجتها].

هل يمكن أن تتخيّل إذا ما استقبلت 27 أو 28 دولة كل واحدة 3000 أو 4000 شخص؟ قال الدكتور جوزيف. “هذا ليس حلماً صعب المنال، بل يمكن ان يتحقّق لو توفرت الإرادة السياسية لذلك، ولكن ليس باستطاعتنا الانتظار اكثر من ذلك. علينا أن نقوم بذلك الآن”.

هكذا، مع هروب السوريين من الأزمة في مصر، ووقوف لبنان على حافة الحرب، وعدم توفّر إمكانيات لدى الأردن لتقديم المزيد من المساعدة، وتوسيع تركيا لقدراتها الى أقصى حدود غير مسبوقة، نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى الى خطة شاملة للجوء الى بلدان جديدة. إلاّ انّه يبدو أنّ مثل هذه الاستجابة لن تتحقّق على الأرجح.

“الأمل ليس كبيراً” قال الدكتور كسلير. “وما يزيد الأمور سوءاً هو أنّ العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد اشتكت من وجود عدد كبير من اللاجئين على أراضيها”.

بالإضافة الى ذلك، ومع بروز مشاعر جناح اليمين المتطرّف، تزداد التقارير الإعلامية التي تصف اللاجئين بالأجانب المقتدرين الذين يدفعون ثمن دخولهم الى أوروبا. غير أنّ ما من شيء أبعد عن الحقيقة من هذا الكلام الذي يُقال.

“بعد أن تمّ تفجير منزلي في اليرموك، لم يكن أمامي خيار آخر سوى الهرب” قال علي. “بعتُ سيارتي، وجميع ممتلكاتي، وأنفقتُ مدخّرات عائلتي”.

ورغم أنّ علي نجح في تحقيق ذلك، فقد مات آخرون وهم يحاولون. واليوم “علي” بانتظار أفراد عائلته الذين يُفترض أن ينضموا اليه في غضون أقل من شهرين. ورغم أنّه ينتظر، فهو يدرك أنّ هناك أملاً للغد.

“أنا ممتنٌ جداً” يقول. “أنا ممتنٌ جداً لأنّه ستتوفّر لأولادي بداية جديدة”.

 (ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى