بدرخان علي:الكرد في سورية … رافِد للثورة ورافِض للتدخّل التركي
| بيروت ـ من ريتا فرج |
عادت المشكلة القومية الكرديّة في سورية الى الضوء مع بدايات الحركة الاحتجاجية، وقد انخرط الأكراد في الحراك الشعبي وشاركوا فيه، وتبنوا الشعارات التي نادت بها غالبية الشعب السوري، لكن الدعوة لإنشاء حكم ذاتي ظهرت في وقت لاحق، إذ طالب المجلس الوطني الكردي وهو أبرز تكتل معارض يضم غالبية الأحزاب الكردية بحق الأكراد بالفيديرالية.
تعود أزمة القضية الكردية الى الاجراءات التمييزية التي قامت بها الحكومات السورية، وكان أول إجراء تمييزي ضدهم هو مشروع الإحصاء الاستثنائي العام 1962 الذي حرم أكثر من سبعين ألف كردي الجنسية السورية.
وقبل أن يمنح النظام الجنسية السورية للأكراد بعد الاصلاحات التي أجراها إثر تفجر الثورة السورية، عرف الأكراد ظاهرة سميت بـ «المكتومون» وهم المجردون من الجنسية ما يعني أنهم حُرموا حقوقهم كافة. وفي العام 1965 قررت الحكومة السورية إنشاء الحزام العربي، وهو مشروع يهدف إلى تفريغ منطقة الجزيرة أو محافظة الحسكة من السكان الأكراد الأصليين وتوطين أسر عربية بدلاً عنهم. وامتد الحزام بطول 300 كيلومتر وعرض 10 – 15 كيلومتراً، من الحدود العراقية في الشرق إلى رأس العين في الغرب، واغتنمت السلطات فرصة بناء سد الفرات ومشروع إعادة توزيع الأراضي الزراعية، كي تستولي على أراضي الفلاحين الأكراد، لإقامة مزارع نموذجية مزودة بالمياه والمدارس والحماية الأمنية وتمليكها لفلاحين عرب غمرت مياه السد قراهم. وبالفعل تم توطين أكثر من أربعة آلاف أسرة عربية في الشريط الحدودي وتوزيع أكثر من 700 ألف دونم من الأراضي المصادَرة عليهم. وكان الهدف من هذا الاجراء تعريب مناطق الأكراد، بعد أن تم تجريدهم من جنسيتهم السورية قبل ذلك في 5 /10 /1962 بموجب المرسوم التشريعي الرقم93 الصادر بتاريخ 13 /8 /1962 خلال إحصاء الحسكة الذي نُفذ في عهد الرئيس ناظم القدسي ونجم عنه انقسام الأكراد إلى ثلاث فئات: أكراد يتمتعون بالجنسية السورية، أكراد يتجردون من الجنسية ومسجلون في القيود الرسمية على أنهم أجانب، أكراد مجرّدون من الجنسية غير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية، وأطلق عليهم وصف مكتوم القيد وهو مصطلح إداري سوري يشير إلى عدم وجود الشخص المعني في السجلات الرسمية. وقد ترافق ذلك مع تغيير الأسماء الكردية التاريخية لعدد كبير من القرى، ومنع الأكراد من أن يكون لهم مدارس خاصة ومن التعبير الثقافي عن هويتهم. ورغم بروز بعض الأصوات الكردية الراديكالية، لكن الأكراد يتفقون على الانتماء الوطني ويؤكدون أنهم جزء لا يتجزأ من نسيج الشعب السوري، وقد دخل قسم منهم في صفوف «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي».
أسس الأكراد عدداً من الأحزاب من أهمها الحزب الديموقراطي الكردستاني العام 1957 وترأسه الدكتور نور الدين زازا، ودعا عند انطلاقه إلى تحرير كردستان وتوحيدها عن طريق الثورة، واعتُقل معظم قياديي الحزب فانفرط عقده، وبعد خروج قادته من السجون العام 1961 أعادوا النظر في برنامجهم فطالبوا فقط بحقوق الكرد السوريين الثقافية والسياسية. أما الحزب الديموقراطي اليساري الكردي الذي تأسس أواخر خمسينات القرن الماضي وأراد السير في النهج الثوري الأول للديموقراطي الكردستاني، فاضطر بدوره إلى انتهاج سياسة معتدلة أواخر الستينات وأعاد النظر في طروحاته.
تتفاوت الأرقام بشأن عدد الأكراد في سورية في ظل غياب احصاء رسمي، ويمثل الأكراد ثاني أكبر مجموعة عرقية في سورية بعد العرب. وتشير بعض التقارير الى أن أعدادهم تتراوح بين مليون ومليونين، وبعض المصادر المقربة من الأكراد ترفع تلك التقديرات إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة من أصل أكثر من 23 مليوناً يتألف منهم الشعب السوري. ويقطن الأكراد بشكل أساسي في ثلاث مناطق ضمن الشريط الحدودي بين سورية وتركيا والعراق من أهمها منطقة الجزيرة بمحافظة الحسكة، وعفرين بشمال حلب، وعين العرب (منطقة كوباني). وتقيم أعداد كبيرة من الأكراد في مناطق الريف السوري للعمل بالزراعة والرعي، والغالبية الساحقة من الأكراد مسلمون سنّة يتبعون المذهب الشافعي. وخلال الثورة السورية اتهمت سلطات اقليم كردستان النظام السوري باغتيال القيادي الكردي الناطق باسم تيار المستقبل الكردي في سورية مشعل التمو، ودعت إلى حصول أكراد سورية على حقوقهم في نظام ديموقراطي.
يُعتبر المجلس الوطني الكردي في سورية الذي تَشكل إبان الحركة الاحتجاجية من أبرز الكتل المعارضة الكردية، وقد عقد اول مؤتمراته في مدينة القامشلي في أكتوبر الماضي بحضور 254 عضواً يمثلون عشرة احزاب رئيسية وعدداً من التنسيقيات الشبابية والشخصيات الوطنية الثقافية والاجتماعية والنسائية، وانبثقت عنه هيئة تنفيذية تضم 45 عضواً.
واتخذ هذا المؤتمر جملة قرارات أبرزها: ضرورة التواصل مع اطراف المعارضة السورية والاتفاق معها على برنامج عمل مشترك للمرحلة المقبلة و«العمل معاً من اجل تغيير النظام الديكتاتوري في سورية وتفكيك مؤسساته السياسية والأمنية والفكرية، وبناء نظام ديموقراطي تعددي لامركزي يضمن دستورياً الحقوق القومية للشعب الكردي في سورية، ويفسح المجال أمامه ليقرر مصيره بنفسه ضمن إطار وحدة البلاد» كما جاء في بيان عن المؤتمر.
وانضم جزء من القيادات الكردية المستقلة الى المجلس الوطني السوري والى هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي. وخلال المؤتمر الذي عقده المجلس الوطني السوري في اسطنبول في 27 مارس الماضي، انسحب ممثلو المجلس الوطني الكردي على خلفية عدم إشارة مسودة «العهد الوطني» الى القضية الكردية وتهميش المكوّن الكردي. وإثر ذلك أصدر المجلس الوطني السوري وثيقة وطنية حول القضية الكردية أوائل شهر أبريل تضمنت تسع نقاط من بينها:
• العمل على إلغاء جميع السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبقة بحق المواطنين الكرد ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين.
• يعمل المجلس الوطني السوري والقوى الموقّعة على إقامة فعاليات وأنشطة تساهم في التعريف بالقضية الكردية في سورية والمعاناة التي مرّ بها المواطنون الكرد على مدى عقود من الحرمان والتهميش، بهدف بناء ثقافة جديدة لدى السوريين قائمة على المساواة واحترام الآخر.
• تسعى القوى الكردية الموقّعة على تعزيز المشاركة الوطنية في أنشطتها وفعالياتها من خلال التأكيد على معالم الوحدة الوطنية ودعوة ممثلي مكوّنات الشعب السوري كافة والحرص على مشاركتهم، والتواصل البنّاء مع بقية النسيج الوطني.
• العمل على إقامة برامج تدريب وورش عمل تضمن المشاركة المميزة للشباب والناشطين الكرد لغرض التفاعل بين الشباب السوري وزيادة التواصل وتعزيز التفاهم.
مقابلة / بدرخان علي لـ «الراي»: لا إمكان لنشوء إقليم كردي بسورية
يرى المعارض الكردي السوري المستقلّ بدرخان علي أن «لا إمكان لنشوء اقليم كردي بسورية على غرار العراق أو تركيا بسبب الجغرافيا والديموغرافيا، وان الطرح الفيديرالي الكردي في سورية غير ممكن حالياً وحتى مستقبلاً».
ويؤكد بدرخان علي ان «الوجود الكردي في الحراك الشعبي متواصل منذ بداية الثورة السورية، والمطالب التي يرفعها الأكراد مثل مطالب بقية السوريين، تدعو الى الحرية والديموقراطية وبناء دولة جديدة، بالإضافة إلى المطالب الكردية القومية الخاصة وهذا حتماً يمرّ بإسقاط النظام الاستبدادي».
ويشير إلى «الخوف الأكبر ليس من الاخوان المسلمين بل من احتمال ظهور تيارات اسلامية متطرفة، سلفية جهادية»، مبينا ان «في سورية ثورة مواطَنة وكرامة وحرية، وهذه المفاهيم خارج منظومة الجهاديين من «القاعدة» وغيرها».
ويعتبر ان «المجلس الوطني السوري تركيب غير متجانس،وان ثمة أموراً تقلق الأكراد في المجلس الوطني السوري، وفي طليعتها التخوف من سيطرة الاسلاميين عليه»، مشيرا إلى ان «هناك حساسية كبيرة للأكراد من التدخل التركي في شؤون المعارضة وفي الأزمة السورية ككلّ. ومعروف أن تركيا لديها قضية كردية ملتهبة، فهناك 20 مليون كردي في تركيا محرومون من الاعتراف القومي، فكيف لدولة مثل تركيا أن تحقق الحرية والديموقراطية للشعب السوري خصوصاً لأكراد سورية؟!».
وتوقع بدرخان علي ان «الأزمة السورية تتجه الى استنزاف طويل الأمد للدولة وللمجتمع، وقد يسقط النظام بعد فترة تحت ضغط هذا الاستنزاف، وليس عبر الاعتماد على الخيار العسكري»، معتبرا ان «الحل الأسلم لسورية والسوريين هو التفاوض السلمي من أجل مرحلة انتقالية بإشراف أممي ـ عربي من أجل إيجاد مخرج سياسي وتغيير النظام».
من أجل الإضاءة على القضية الكردية وموقعها في الحركة الاحتجاجية في سورية بعد ارتفاع الأصوات الكردية المطالبة بالحكم الذاتي، أجرت «الراي» حواراً مع المعارض الكردي السوري المستقلّ بدرخان علي، في ما يأتي وقائعه:
• ما أبرز القضايا التي يرفعها الأكراد بعد مرور أكثر من عام على الحركة الاحتجاجية؟
ـ الوجود الكردي في الحراك الشعبي متواصل منذ بداية الثورة السورية، والمطالب التي يرفعها الأكراد مثل مطالب بقية السوريين، تدعو الى الحرية والديموقراطية وبناء دولة جديدة، بالإضافة إلى المطالب الكردية القومية الخاصة، وهذا حتماً يمرّ بإسقاط النظام الاستبدادي. وفي الفترة الأخيرة، طرح الأكراد مسألة الفيديرالية والإدارة الذاتية، وهذا الأمر أدى الى ردود فعل من قوى المعارضة السورية.
تتلخص المطالب الكردية بالاعتراف بالقومية الكردية في سورية وما يترتب على ذلك من أطر قانونية ودستورية وسياسية، وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: كيف سيتمّ هذا الاعتراف؟ هل سيكون على شكل حكم ذاتي كما طُرح أخيراً أو سيكون في إطار مواطَنة من طراز جديد، أو شكل بين الاثنين؟
• ألا يتخوف الاكراد بسبب طرحهم لمشروع الفيديرالية على وحدة سورية خصوصاً أن البعض يتحدثون عن تقسيم سورية في حال سقوط النظام؟
ـ كتبتُ عدة مرات أن الفيديرالية مطلب غير واقعي رغم أنني من أنصار الحراك الكردي ومن أنصار المجلس الوطني الكردي، لكن الطرح الفيديرالي الكردي في سورية غير ممكن حالياً وحتى مستقبلاً، لأن لا إمكان لنشوء اقليم كردي بالشكل الموجود في العراق أو تركيا، بسبب الجغرافية وحقائق التوزع السكاني. إذاً هناك عائق جغرافي وديموغرافي، عدا عن أن هناك نسبة كبيرة من الأكراد موجودة في العاصمة دمشق وحلب والرقة وحماه… وهي مندمجة في المجتمع السوري بشكل كبير. فضلاً عن معارضة بقية أطياف الشعب السوري، والمحيط العربي والتركي أيضاً.
• لماذا الدعوة الى الفيديرالية ما دام هناك نموذج للتعايش والاندماج بين الأكراد والعرب كما تعبّر عنه العاصمة دمشق؟
ـ هناك اختلاف بين المسألتين. الاندماج الاجتماعي والسكاني للأكراد في دمشق ومدن الداخل السوري وصل الى درجة التعريب، وهذا الوضع مختلف عن حقيقة القضية الكردية في المناطق الأخرى. أي المناطق الكردية في محافظة الحسكة ومنطقة كوباني ـ عين العرب ـ ومنطقة عفرين (جبل الأكراد) شمال حلب. الأكراد في هذه المناطق، يعيشون على أرض آبائهم وأجدادهم، هويتهم الأساسية كردية، والقسم الأكبر منهم لا يتحدث إلا بالكردية كلغة أم، عدا عن أنهم أكثر اندماجاً مع أكراد العراق وتركيا نتيجة القرابة والاختلاط والتفاعل.
موضوع الفيديرالية في سورية طُرح خلال الثورة، وقبل هذه المرحلة لم يكن له وجود، ويبدو أنه إسقاط لتجربة أكراد العراق على أكراد سورية، ومن الصعب تحقيقه. الفيديرالية غير ممهد لها كردياً وهو طرح مخيف للغالبية العظمى من السوريين، ومن الصعب تحقيقه على أرض الواقع، كما أن غالبية قوى المعارضة رفضت هذا الطرح، خصوصاً بعد مؤتمر اسطنبول الأخير الذي سبق مؤتمر أصدقاء سورية، فقد وقعت خلافات كردية ـ عربية بسبب الموضوع القومي الكردي. ومن أجل رأب هذا الشرخ أصدر المجلس الوطني السوري لاحقاً وثيقة وطنية حول القضية الكردية لا أعلم إذا تمّ التصديق عليها رسمياً من المكتب التنفيذي للمجلس. كما أصدرت هيئة التنسيق الوطنية موقفاً جيداً حول القضية الكردية اخيراً. وعمل المجلس الوطني الكردي على توضيح موقفه في شكل أكبر وأكثر واقعية حول النقاط الإشكالية عبر مؤتمره الأخير الذي انعقد اخيراً في مدينة القامشلي.
• ما أبرز القوى السياسية الفاعلة عند الأكراد بعد انطلاق الحركة الاحتجاجية؟
ـ أبرز القوى هي المجلس الوطني الكردي، الذي يضم الغالبية العظمى من الأحزاب الكردية، بالاضافة الى التنسيقيات الشبابية الكردية، وحزب الاتحاد الديموقراطي وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وقد صدرت وثيقة تفاهم مشتركة بين المجلس والاتحاد هدفها إزالة بعض الحساسيات والإشكاليات التي حصلت.
• أين هم الأكراد من الحراك الشعبي؟
ـ الاحتجاجات الكردية متواصلة منذ بداية الثورة. أقوى التظاهرات التي يقوم بها الأكراد في منطقة القامشلي وعامودا في محافظة الحسكة، وفي مدينة كوباني ـ عين العرب ـ في محافظة الرقة. ويتركز الحراك الشعبي الاحتجاجي في محافظة الحسكة على الكرد وحدهم تقريباً، أما مشاركة العرب، فقليلة جداً. وحصلت تظاهرات كردية في مدينة حلب حيث يصل عدد الأكراد فيها الى نحو 400 ألف لكنهم غير مقيمين في شكل دائم.
• اغتيال الناشط الكردي مشعل التمو أثار جدالاً طويلاً… ما الجهة التي تقف وراء اغتياله؟
ـ في الحقيقة مشعل التمو كانت له مواقف جريئة جداً في الشارع وكان له نشاط في الحركة الاحتجاجية، وليست هناك معطيات أكيدة عن الجهة التي اغتالته فهو تعرض لتهديد قبل قتله. ولا يمكن أن نجزم بأن النظام السوري كان حصراً وراء اغتياله أو نستبعد ذلك أيضاً. في المحصلة سبب اغتياله هو حراكه المعارض وموقفه السياسي، أما الأداة المنفّذة فغير معلومة تماماً، وهو شهيد الثورة السورية.
• ما رأيك في الوثيقة التي أصدرتها الاخوان المسلمين في سورية؟ والى أي مدى ساعدت على طمأنة أكراد سورية خصوصاً أنها تحدثت عن التعددية؟
ـ وثيقة الاخوان كانت جيدة بالنسبة للحركات الاسلامية، وقد لمسنا نوعاً من الطرح الليبرالي الاسلامي الجديد. لكن تبقى هناك مخاوف عند السوريين عموماً تنبع من مدى للتزام تنظيم الاخوان بهذه الوثيقة خصوصاً ما يتعلق بالمواطنة والمساواة ومدى تعبيرها عن القاعدة الاجتماعية للحركة. وقد صدرت ردود أفعال ترحيبية بالوثيقة، وفي المستقبل يجب الضغط على الإخوان لدفعهم الى تطبيقها. وفي رأيي أن التعددية والمواطنة والديموقراطية عند الحركات الاسلامية مفاهيم ملتبسة، وتحتاج الى الكثير من التوضيح والابتعاد عن الغموض، فهل ما تنادي به قائم على أساس الغالبية الدينية؟ هذا السؤال يحتاج الى توضيح أكبر رغم ان الوثيقة تتحدث بلغة منفتحة.
وفي ظل التوتر المذهبي في سورية وتصاعد وتيرة الانتماءات الدينية، يحق لنا أن نخاف من ادعاءات التيارات الاسلامية، ولكن من جهة أخرى نشجعهم على هذا الطرح. عدا عن أن وثيقة الاخوان المسلمين لم تشر بشكل واضح الى الموضوع الكردي، وربما تم وضعها بإيحاء من تركيا. موضوع المواطنة والأقليات والتعددية، من المسائل الحيوية التي يجب على الإسلاميين معالجتها بشكل أوضح، أما بالنسبة لاخوان سورية، فهم مطالَبون برؤية جديدة في مقاربة الأقلية الكردية. وكما هو معروف فان تنظيم الاخوان المسلمين في سورية محكوم بالحركة الاسلامية في العالم العربي والإسلامي لا سيما في مصر وتونس.
ومعلوم أن سورية في حقبة الثمانينات من القرن الماضي عرفت تجربة قاسية جداً نتيجة صراع جزء من الاخوان المسلمين مع السلطة، ما أدى الى انتقام طائفي من الطرفين، دفع المجتمع السوري كله ضريبته. الكثير من النخب السورية تطالب الاخوان المسلمين بمراجعة تلك الحقبة المظلمة، وتدعوهم الى إدانة العنف في العمل السياسي، وهي المسألة الشديدة الأهمية ولم تتطرق اليها الوثيقة. ولابد من تأكيد الرفض القطعي للعنف خصوصاً على أساس طائفي ـ مذهبي. وكما يعرف الجميع المجتمع السوري متعدد، والانتفاضة السورية تشهد احتقانا مذهبياً يزداد يوماً بعد يوم. والخوف الأكبر ليس من الاخوان المسلمين بل من احتمال ظهور تيارات اسلامية متطرفة، سلفية جهادية، وجزء من المتطرفين بدأوا بالتغلغل فعلاً في سورية رغم أن هناك مبالغات في حجم حضور الجماعات السلفية الجهادية، وهؤلاء الجهاديون تسربوا من العراق ومن ليبيا ومن لبنان.
• أشرتَ الى وجود جماعات جهادية في سورية. مَن يستفيد من هذه الجماعات؟
ـ استخدم النظام السوري هذه الجماعات من أجل إرباك اميركا في العراق، وأنا لا أستبعد أنه يقوم الآن باستخدام الجهاديين في سورية، من أجل ارباك الثورة السورية وإخراجها عن مسارها السلمي الوطني غير الطائفي من أجل أهداف لا تمتّ إلى ما يبتغيه السوريون الثائرون من كرامة وحرية، علماً أن هناك بعض التقارير تشير الى أن بعض الجماعات السلفية دخلت الى سورية عن طريق العراق وليبيا. طبعاً هؤلاء الجهاديون، أهدافهم بعيدة جداً عن أهداف الشعب السوري الذي صمد أكثر من سنة أمام آلة القتل والقمع الوحشي. في سورية ثورة مواطَنة وكرامة وحرية، وهذه المفاهيم خارج منظومة الجهاديين من «القاعدة» وغيرها.
• كيف تقوّم تعاطي المجلس الوطني السوري مع القضية الكردية؟
ـ المجلس الوطني السوري تركيب غير متجانس، وقد أصدر بيانات مقبولة بالنسبة للقضية الكردية، لكن المجلس الوطني الكردي لا يجد نفسه في هذا المجلس. ثمة أمور تقلق الأكراد في المجلس الوطني السوري، وفي طليعتها التخوف من سيطرة الاسلاميين عليه، بالاضافة الى الدور التركي في دعم المجلس، والخطاب الجذري للمجلس الوطني الذي يقيم أعضاؤه في الخارج، بينما جلّ القيادات الكردية هي في الداخل.
هناك حساسية كبيرة للأكراد من التدخل التركي في شؤون المعارضة وفي الأزمة السورية ككل. ومعروف أن تركيا لديها قضية كردية ملتهبة، فهناك 20 مليون كردي في تركيا محرومون من الاعتراف القومي، فكيف لدولة مثل تركيا أن تحقق الحرية والديموقراطية للشعب السوري خصوصاً لأكراد سورية؟ هذه المسألة تبرر التخوف الكردي، وتدفع المجلس الوطني الكردي الى عدم الانضمام الى المجلس الوطني السوري، ولذا ارتأت مكوّناته أن تبقى كتلة مستقلة ضمن كتل المعارضة السورية الأخرى. وأعتقد ان المجلس الوطني الكردي سيبقى كتلة مستقلة ويتواصل مع الأطراف الآخرين. وقد حصلت لقاءات متعددة، ولكن حدث شرخ في مؤتمر اسطنبول بسبب عدة عوامل أهمها: الطابع الارتجالي للمؤتمر الذي جاء من دون تحضير كاف، عدم دعوة جميع قوى المعارضة بشكل رسمي، الدعوة القطرية ـ التركية بينما كان يجرى التحضير لمؤتمر للمعارضة السورية في القاهرة بإشراف الجامعة العربية، وثيقة العهد الوطني كانت ناقصة وقد تراجعت عن الوثائق السابقة في ما يخص القضية الكردية. وثمة من يشير الى إملاءات تركية في الموضوع الكردي، وعلى العموم وثيقة العهد الوطني بالشكل الذي صدرت فيه، لم تكن مقبولة للقوى الكردية، خصوصاً أن مسودة الوثيقة لم يشارك المجلس الوطني الكردي في وضعها، فهي لم تشر إلى القضية الكردية، وهذا الأمر دفع المجلس الى الانسحاب من المؤتمر كما أن الكتلة الكردية في المجلس الوطني علّقت عضويتها عدا الدكتور عبد الباسط سيدا، واخيراً سمعت أنهم سيعودون بعدما اصدر المجلس الوطني السوري وثيقة ليست معتمدة بعد سموها الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية.
• الى أي مدى يقلق الاكراد من الدور التركي في الأزمة السورية؟
ـ يخضع الموقف التركي لتجاذبات تركية داخلية، ويعتبر بعض ممثلي الاسلام السياسي السني الحاكم أن ما يجري في سورية انتفاضة سنيّة، وهذه القراءة شائعة في تركيا وإن بدرجة أقل من بلدان الخليج، ويعززها الطرح الاعلامي. أما التيار العلماني والمؤسسة العسكرية، فهي ترفض التدخل التركي في الأزمة السورية وهؤلاء يمثلون فئة كبيرة، ويأخذون بالاعتبار العامل العلوي، فهناك نحو 20 مليون مواطن علوي تركي، يرفضون أي تدخل تركي في الشأن السوري، خصوصاً ما يتعلق بإنشاء المناطق الآمنة واحتضان المعارضة، وهذا الوسط ليس قليلاً وربما يتجاوز نصف عدد السكان. الرأي العام التركي منقسم الى قسمين: جزء مع الحزب الحاكم، وجزء يرفض أي شكل من اشكال التدخل. في بداية الأزمة اتخذت تركيا دور الناصح لـ (الرئيس) بشار الاسد، ومع اشتداد العنف وارتفاع عدد الضحايا تصاعد الموقف التركي، وتحديداً بعد الجلسة التي عقدت بين (رئيس الوزراء رجيب طيب) أردوغان والأسد لمدة ست ساعات، أطلق بعدها تهديدات قال فيها إن حماه خط أحمر ولن نسمح بحماه أخرى في سورية، وبعد ذلك بأشهر كاملة بقي الموقف التركي صامتاً الى أن ارتفعت من جديد النبرة التركية، وأعيد طرح انشاء المناطق الآمنة. ثمة تعقيدات كبيرة في السياسة التركية تجاه الازمة السورية (وربما أشياء خفيّة). وعدا عن العوامل التي تحدثنا عنها، هناك تخوف تركي من انعكاس الاضطراب في سورية بعد إسقاط النظام على الوضع التركي ومن تصاعد المسألة الكردية في المنطقة.
• النظام السوري ماض في الحل العسكري… الى أين سيؤدي هذا الحل في ظل المماطلة الأميركية؟
– الموقف الأميركي تجاه الأزمة السورية أكثر ليونة من الموقف الذي اتُخذ في مصر وتونس، علماً أن هذه الأنظمة السابقة كانت حليفة للولايات المتحدة. في رأيي أن أميركا تختبئ وراء الفيتو الروسي في مجلس الأمن، حتى إن الاميركيين تراجعوا عن طلب تنحي الأسد بشكل فوري، وربما يخضع الموقف الاميركي لدور سورية الاقليمي، وارتدادات سقوط النظام على المنطقة، وأنا لا أرجح فرضية أن سياسة التكليف الأميركي للنظام السوري سقطت، اذ ما زالت للنظام نفوذ في لبنان وفي العراق. والأهم أن النظام السوري لا يشكل خطراً على أمن اسرائيل وهذا الأمر مهم جداً في الحسابات الاميركية والاوروبية. وأعتقد أن الاميركي يتخوف من نشوء عراق آخر في سورية. الأفق في الأزمة السورية مغلق، وحتى خيار الحل العسكري الذي طرحته بعض الدول وأيّدته أطراف المعارضة السورية، خطير وله عواقب مدمرة.
سورية تتعرض الى استنزاف طويل للدولة والمجتمع، وقد تعرّض النسيج الاجتماعي السوري لرضوض كبيرة منذ سنة وأكثر، والوضع الاقتصادي شبه منهار. وفي رأيي ان النظام السوري لن يسقط قريباً ويمكن أن تستمر الأزمة سنة أو أكثر، وهذا سيؤدي الى زيادة الاحتقان الطائفي وبروز حالات اغتيال تقوم بها مجموعات مسلحة منظمة وأخرى مجهولة. الأفق غامض والمجتمع الدولي غير متحمس لإجراء عمل حاسم. ويبدو أن العواصم الدولية لن تتدخل بشكل فاعل على الارض إلاّ قرب انهيار النظام ومؤسسات الدولة.
الأزمة السورية تتجه الى استنزاف طويل الأمد للدولة وللمجتمع، وقد يسقط النظام بعد فترة تحت ضغط هذا الاستنزاف، وليس عبر الاعتماد على الخيار العسكري كما حصل في ليبيا. أما الحل الأسلم لسورية والسوريين فهو التفاوض السلمي من أجل مرحلة انتقالية بإشراف أممي ـ عربي من أجل إيجاد مخرج سياسي وتغيير النظام.
الراي