بروفا سورية طويلة/ راشد عيسى
“سنستمر. نسعى لأن يكون الأمل أبعد من المدى المجدي للبندقية”. يصعب أن نجد من يتحدث عن الأمل في هذه الأيام السورية العصيبة، غير أن إحدى شخصيات العمل المسرحي السوري “بروفا لا تنتهي” بإمكانها أن ترفع تلك العبارة كراية، يتحلّق حولها شبان شغوفون بالمسرح، مؤمنون به ساحة للحوار والقول، وإنعاش الأمل.
العبارة هي لـ يمان حداوي، أحد شهداء الثورة السورية، تأتي على لسان أخيه وهو يروي تجربته تمثيلاً على المسرح، في عرض يبدأ اليوم في مدينة أورفا التركية، من إخراج أمل عمران، المخرجة والممثلة السورية.
عمران قالت لـ “المدن” إن التجربة “تحكي عن شابين من دير الزور يرويان حكايتهما الحقيقية أثناء الثورة. أحدهما حاتم حداوي الذي استشهد أخوه، وأصيب هو نفسه إصابة خطيرة، وعاش الحصار والجوع والمجازر ودفن رفاقه. والعرض بروفا مع حارث الذي فقد آلة العود الخاصة به، بعد أن كسره أفراد من “جبهة النصرة”. ينشأ صراع أثناء البروفا، حول المهمّ والأهمّ، وموضوعات أخرى من قبيل فقدان الثقة بين بعضهم البعض، والجدل حول لماذا قامت الثورة، والتضحيات الكبيرة، والإيمان بالعمل الميداني، والمعارضة التي لا تساعد مصابي الحرب”.
إنها تجربة جديدة من دون شك، أن يؤدي الضحايا أدوارهم على خشبة المسرح. في ذلك خروج واضح عن مسيرة المسرح السوري الذي أمضى عقوداً طويلة من الاتّكاء على نصوص عالمية جاهزة ومعلّبة، إلى أن باتت التراجيديا السورية مهدورة في الطرقات. لذلك ليس من المستغرب أن تخرج شخصيات “بروفا لا تنتهي” عن النصّ المكتوب، كما تروي عمران “الحكي بين الشابين يخرج عن النصّ المكتوب عن الذاكرة والألم والمتعة وتجربة السجن الرهيبة التي يقضي ضحيّتها أحد أصدقاء حارث، ليطرح أسئلة عمّا يحدث الآن، وكيف تحوّلت مجريات الأمور”.
المسرح الذي نريد
في طريقة العرض خروج عن المعتاد، بالنسبة لكتابة النصّ وحتى بالنسبة لمكان العرض وهو صالون بيت في المدينة لن يتّسع لأكثر من عشرة متفرّجين، في تطابق بين المكان الواقعي والمسرح. لكن لا شك أن طريقة إدارة الممثل مختلفة أيضاً، تقول عمران رداً على سؤال “الفارق كبير بين ممثل يعمل على نصّ جاهز، وممثل يروي حكايته. ما كنت لأشتغل مع ممثل ونصّ لا يخصّه. الأهم الآن بالنسبة لي أن أشتغل حكايا حقيقية مع أصحابها الحقيقيين، حتى لو لم يكونوا يتقنون التمثيل، يمكن أن يتعلّموا بعض التقنيات، أو أن يجدوا حلولاً إبداعية. أما أنا فمحرّض لا أكثر، ومستمع جيد عندي تمارين، كما يمكن اكتشاف تمارين من قلب الحكاية”.
لكن لكتابة النص، وفكرة المشروع من الأساس، حكاية أخرى تقول المخرجة “اشتغلت مع حاتم من قبل في العام 2009 في إطار ورشة مسرحية، إلى جانب شابين استشهدا في ما بعد. حين وصل حاتم إلى الرقة أرسل لي نصّاً، وكان مصرّاً على كتابة المسرح تكريماً لأخيه ورفاقه، من دون أن أتمكّن من الذهاب إلى الرقة، حيث الفكرة الأساسية، خوفاً من “داعش”، فكانت أورفا هي الخيار. أحببت النصّ، بدأنا بروفات في إطار ورشة تبحث في كل شيء، من الخوض في أحاديث السياسة إلى النقاش عن أهمية المسرح”.
فإلى أي حدّ إذاً بإمكان المسرح أن يكون على مسافة من الأحداث التي يعاصرها، وكم يفيده ذلك في نظرة أكثر صواباً ومصداقية، تقول عمران “ما يحدث، وهنا عظمة فن المسرح، أن صاحب التجربة الصعبة عند اشتغاله على موضوع ما يقلّبه كثيراً، ليراه من عدة زوايا، ليخرج منها لاحقاً كي يرى تأثيرها على المتلقّي”.
هذا بالطبع يمكن أن يأخذ العرض للاقتراب من السياسة، ولا تنفي عمران ذلك، بل تؤكّد “إنه يقترب إلى حدّ السؤال عن دور المعارضه المتورّطة. يتحدّث الممثل عن شبّيحة “الحكومة المؤقتة”، ويطلب حارث من حاتم أن يحكوا عن الحكومة والمخيّمات والسرقات وداعش، وإذا كان الممثل لا يلبّي طلبه فهو فقط لأن تلك الملفات لأن كل ذلك يحتاج إلى كتابة نصوص أخرى في المستقبل”.
عمران التي خاضت تجارب متنوعة كثيرة في المسرح لا تتردّد في وصف تجربتها الجديدة بأنها الأهمّ. نسألها ما هو المسرح المطلوب اليوم؟ أي مسرح نريد؟ فتقول “نريد مسرحاً من دون مسرح، من دون تقنيّات مذهلة، من دون فذلكات مخرجين واستعراض عضلات للممثلين. هناك ما يفرض نفسه مثل تجربة نوار بلبل مع الأطفال في مخيّم الزعتري، وعمر أبو سعدا في “طرواديات سوريا”. الناس الحقيقيون بديل للممثل”.
المدن