صفحات العالم

بشارالأسد والمعارضة طرحا معاً اللامركزية الإدارية


محمود عباس

يتمرغ بشار الأسد في الضحالة السياسية، يجاهد باحثاً عن منطق يرتكز عليه، ليحفظ له العرش ونزعة الذات الإلهية، تنوع في الألفاظ والتشبيهات والموبقات كلها، صام عن ذكر الثورة والثوار، أتهم المعارضة الخارجية بكل أنواع العهر والعمالات، مستخدماً الثقافة المشوهة التي بنيت عليها مفاهيمه، وعلى مدى سنة ونصف من عمر الثورة السورية، يحاول خبثاً تشويه صراع الشعب مع قوة الشبيحة والجيش، ليخرج بفزاعة الحرب، وينفي الثورة الشبابية، أنبثق فجأة من أعماق اللاشعور الضائع زمناً بمنطقه المهترء عن وجود قوى تهدد الوطن.

 في طلعته الأخيرة عند تنصيب هياكل الطاقم الوزاري الحديث جداً، دخل بخطابه الممل، أروقة الإصلاحات والوصف الجمعي لمزايا سلطته الشمولية، بدءاً من ” اللامركزية الإدارية ” إلى القطاعات الإقتصادية بأكملها، لم يترك مجالاً إلا وبحث فيه، تحدث عن المناطق الأكثر فقراً في الوطن، لكنه لم يبين حقيقة وضع سوريا المعيشية – فهي حسب التقارير الدولية واحدة من أفقر دول العالم مقارنة بالدخل الوطني التي لديها، وذلك بفضل سلطة الأسدين وعلى مدى نصف قرن من النهب والفساد – تطرق إلى كل شاردة وواردة، ليظهر للاعلام العالمي، قبل الشعب السوري الرافض لسلطته جملة وتفصيلا، مدى الإهتمام، وجملة الإصلاحات التي بصددها.

حاول بشار الأسد، في نقطة مهمة، الإلتفاف على المعارضة الخارجية، والحصول على ذمام المبادرة، بالتشديد على ” اللامركزية الإدارية ” في سوريا كنظام قائم، وكإننا به يدرك ما تجول من محادثات في أروقة المؤتمرات المغلقة للمعارضة، أو هناك دول مشاركة تبادل السلطة السورية مواضيع البحث والإصلاحات، آملين في تليين أطراف من المعارضة الخارجية! أم أننا أمام واقع آخر؟ المعارضة تحتضن شخصيات لا يزالون تحت تأثير مفاهيم السلطة الحالية، بعضهم من البعثيين السابقين، ولايزالوا يفضلون طروحاتهم الإيديولوجية، حول المجتمع، والنظام القادم مابعد آل الأسد، أي بعد زوال النظام الأمني، وهم يلتقون هنا بكليتهم مع هيئة التنسيق الوطنية. المعارضة الصادقة الخارجية والثورة ترفضانها. البعض من أطراف المعارضة بينوا عن خطة الطريق للنظام السوري القادم ومنهم: المجلس الوطني الكردستاني – سوريا وأغلب الأحزاب والأطراف المشكلة للمجلس الوطني الكردي، اللذين يقران بالنظام اللامركزي السياسي أي النظام الفيدرالي لسوريا القادمة، يستثنى من هذا حزب الإتحاد الديمقراطي ” ب ي د ” والتي تطالب بالإدارة الذاتية للمناطق الكردية.

اللامركزية الإدارية هي نفسها نظام الإدارة المحلية التي طبل لها البعث ويطبل لها نظام الأسد الآن، وطرحتها المعارضة الخارجية في تاريخ 27-6-2012 في القاهرة، ضمن ميثاقها الوطني، وببند خاص، وبعد اقل من أسبوع واحد من خطاب بشار الأسد! ألم يكن من الأجدى للمعارضة تجاوز مفاهيم السلطة الفاسدة خطوة نحو الأمام على الأقل؟ خاصة في البنية السياسية ما بعد النظام الحالي، بل وفي الحقيقية لم يكن هناك من داع لهذا البند الذي حشر في الوثيقة دون غاية، إلا إذا كان هناك غاية التذكير بأحد مفاهيم البعث عن النظام السياسي!.

وللتذكير أرفق البند ناسخاً ” تعتمد الدولة مبدأ اللامركزية الإدارية، بحيث تقوم الإدارة المحلية على مؤسسات تنفيذية تمثيليّة تدير شؤون المواطنين والتنمية في المحافظات والمناطق، بهدف الوصول إلى تنمية مستدامة ومتوازنة “. ونحن جميعنا نعلم أن النظام السوري فيه وزارة خاصة بهذه، وهي وزارة الإدارة المحلية، فما هو الجديد؟ من نظام فاشل إلى نسخة منقحة! والثورة شعارها ليس التنقيح، بل اسقاط النظام بكليته، الثقافية، والسياسية، والإقتصادية، والسياسية.

 الطبيب بشار الأسد الذي دخل كلية الطب كونه ابن الدكتاتور، على مدى ثلاث ساعات عبث بمفاهيم حفنة من الوزراء، يدربهم ويعلمهم كطلاب مدرسة ابتدائية، يتلقون الوظيفة للفترة القادمة، يستمعون ولا يعون، وهو الذي بين من خلال حديثه، بشكل غير مباشر وللمستمع المدرك لخفايا الكلمة وليس لشكلياتها، فظاعة التشوهات الاقتصادية والفكرية والاجتماعية التي يعيشه الشعب السوري، توضحت المآسي التي أحاط الوطن بها، والطرق التي يستخدمها لجرف سوريا إلى مهالك الضياع، عن سابق قصد وتخطيط.

 كان خطابه وتوصياته الربانية لوزراء ساذجين، لا حول لهم ولاقوة، أعتراف بمدى الدمار والتخلف والفساد الذي يعيشه الشعب، والذي خلفتها السلطة – البعثية الاسدية – في القطاع الاقتصادي بل وشملت جميع زاويا الوطن، لم يستثني منها الأخلاق والثقافة، اللتين نشرتا عنوة في مراكز التدريس وفي الشارع السوري. يحتاج الشعب السوري إلى عهود صعبة لإعادة البناء وتغييره، وتطوير ما جمد أو تخلف من القطاعات الاقتصادية، لتلحق بمستويات الدول المتوسطة نمواً، ولا نتحدث هنا عن العزلة المقيتة التي ادخل الوطن فيه تحت مسميات متنوعة، وتحت مفاهيم وثقافة مشوهة.

 سابقاً، كانت تنفث نزعة الهيمنة المطلقة، في كل تحركاته وخطاباته ومعها تصريحات السلطة السياسية التي عكست بشكل دائم آرائه وآراء حاشيته من البعثيين، لكنه في الإجتماع الوزاري خاطب بلكنة مغايرة للثقافة الاخلاقية التي تربى عليها، دون أن يتخلى عن الأنا الإلهية والرعية الدونية الخانعة ابداً! ماذا يكمن وراء نبرة الحديث المخالف للمألوف؟! هل هو الإحساس بقرب النهاية؟.

 رئيس لم يعد يمثل أكثر من زمرة تستخدم كل انواع الإجرام، للحفاظ على السلطة أطول فترة ممكنة، يعلن وبشكل مفاجئ عن حالة الحرب ويعلنها مع هذه الخلية الوزارية الذليلة، يعلنها حرب بمساعدة وزراء، يقال أنها وزارة تكنوقراط بامتياز وهذا ما نشك فيه بمطلقه! لا يعكسون سوى تشوهات فترة الضياع والإنهيار، حالة التشتت، حالة التكالب على ترقيع الممزق من جسد الوطن، لايملك البعض منهم جرأة في الذهاب إلى دورة المياه بدون اذن مسبق، وزارة من شخصيات منبوذة من شباب الثورة والمعارضة والشعب، اذلاء الولاء المطلق للسلطة الشمولية، معظمهم يرتزقون في ظلها، الطاعة العمياء والخنوع تسيطر على كل مداركهم، يسيرون خلف بشار الأسد أينما حل وربط، أستمعوا إليه كطلاب مرتعبين من مدرس ظالم جائر، يعلمهم آداب الكلام قبل العمل.

 تصريحاته الأخيرة حول الثورة في سوريا، بينت على أقتراب نهايات زوال السلطة، أنتقل مرغماً من نبرة الإتهامات المتنوعة للثورة والثوار والمعارضة الخارجية، إلى نبرة المواجهة، ومن نبرة إتهام الشعب بالجراثيم، وشباب المسيرات بالمرتشين، إلى نبرة الحرب، ارتطم بجدران الثورة، فوجد الوطن ساحة حرب، لكنه لم يذكرها فيما إذا كانت حرب أهلية؟ أم حرب داخلية طائفية كما أرادها منذ البداية؟ أم حرب بين السلطة الشمولية والشعب؟ أم حرب بين السلطة والقوى الخارجية؟ ولم يبين فيما إذا كان قد اسقط الطائرة التركية خلال الحرب هذه، أم في حرب أخرى؟! ولنا في هذا حديث آخر؟.

بحث بشار الأسد مع الوزارة المطيعة، عوامل الإنتصار، وعلى الأغلب الإنتصار على الشعب، وكأننا به يود الطغي على أرض محروقة مقفرة، ومدنن مدمرة خالية من البشر، متناسياً الحقيقة التاريخية، وهي أن الشعوب لا تخسر ولا تهزم، والذي سيخسر ليست سوريا، بل السلطة الشمولية وسيزول معها آل الأسد، السلطة وسوريا طرفي نقيض، سوريا هي الشعب وهي الثورة والثوار، سوريا تخوض ثورة وليس حرباً من الحروب التي يدعيها بشار الأسد، ود بحديثه المتشعب اقناع نفسه قبل وزرائه، أن الجماهير لا زالوا يطيعونه، وأنه الصنم الإله، بحديثه هذا حاول أبعاد شبح الكابوس المسيطر على القصر الجمهوري، لكن موجة سقوط الأصنام أقتربت، فهو السادس في المعادلة، ستهدم أركان نظامه. إزالة طيف الإله البشري من الوطن السوري حكم من الثوار بلا نقض.

الولايات المتحدة الأمريكية

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى