بشار أسد وخطاب المؤامرة!
نصر حسن
من الضروري التذكير بالحكمة المأثورة:
(إن السلطة لا تفسد الإنسان العاقل،ولكن الإنسان المجنون يفسد السلطة عندما يصل إليها).
جاء خطاب بشار أسد اليوم امتداداً طبيعياً لما سبقه ،وتتويجاً صريحاً لنهج النظام الفردي الشاذ الذي تحلل كلياً في الكذب والخداع والعنترة الفارغة، وطغيان عقلية المؤامرة الخارجية المزمنة ولوثته فيها إلى الحد الذي لم ير ما يحدث في سورية منذ عشرة شهور ، وكأن جرائم جيشه وعصاباته وشلالات الدم وأشلاء السوريين وآلاف الشهداء وعشرات آلاف المعتقلين والمفقودين والمشردين هي في الواق الواق وليست في سورية .
لعل طبيب العيون قد عميت عينيه عن رؤية سورية مقطعة الأوصال تعيث فيها عصاباته قتلاً وتدميراً وانتهاكا ً للكرامة الإنسانية بشكل لم تعرفه سورية في تاريخها، أكثر من ذلك وكأن القائد الأعلى للقوات المسلحة لم يعلم ماذا حل بالجيش السوري من جراء أوامره الحمقاء بقتل المدنيين ،وكأنه لا يدري أن هذا الجيش هو ابن هذا الشعب ! ظنه مثله حيث لا مشكلة وطنية وأخلاقية وإنسانية لديهم بإطلاق الرصاص وقتل الأطفال والنساء وتدمير المدن والقرى جرياً وراء وهم المؤامرة على النظام الممانع المقاوم حامي حمى العروبة وفلسطين!،أخطر من ذلك كأن القائد العام للقوات المسلحة حقق نصراً على شعبه الأعزل بتمزيق الجيش السوري وتفكيك وحدته وحرفه عن دوره وتحويله بقيادته المعتوهة إلى فصائل أعداء تقتل بعضها بعضاً في شوارع مدن سورية وقراها ، أي نصراً أكبر من هذا ؟ وأي مؤامرة أكبر من تلك ؟! .
طغى على الخطاب التناقض وعدم التماسك والهذيان، وخاصةً عندما كان يشرد عن النص الأصلي ويشرح بفلسفته الغبية المعهودة التي تزيد الخطاب تشويهاً وخربطةً وترقيعاً من هنا وهناك على أنغام الهتاف الثورجي الشاذ الذي يردده أحياء أشبه بالأموات، والذي أصبح بنداً في دستور النظام بل وأهم بند فيه ،يحفظه المنافقون والمأجورون عن ظهر قلب ،يرددونه أمام حضرة الرئيس بما هو جرعة إجبارية لتقديم الولاء، كما لرفع ثقة الرئيس في نفسه التي أوصلها ثوار سورية إلى الحضيض.
تغنى بالعروبة !ونسي أن نظامه هو من فتح الباب العربي على مصراعيه للمشروع الفارسي المذهبي لدخول النسيج العربي ،والعبث فيه وتجييره كلياً لحساباته الاستراتيجية على حساب الأمن والدم العربيين ،ونسي الأمة العربية الواحدة ونسف كل الأرضية القومية التي استغلها نظامه لعقود لتثبيت وضعه في سورية والعالم العربي ،وانحدر إلى أسفل السافلين بانفصامه وعماه الوطني والسياسي بإصراره على أن الغرب هو الشيطان الرجيم الذي يصدر الديمقراطية المتآمرة على نظامه العتيد ، وكأن البوارج الروسية التي تطوف الشاطئ السوري هي من أهل البيت وتدفع ضريبة حبها العذري لهذا الرئيس الفريد!.
ورغم طول الخطاب وغوغائيته ،لكنه أكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنه هو من يعطي الأوامر لعصاباته لممارسة القتل والتدمير بدون حدود ، وأن عصاباته فوق الوطن والشعب والمحاسبة والقانون، تمارس شذوذها ورعاعيتها بدون حدود وبدون رقيب أو حسيب ،لكن المضحك أنه أعطى درساً طبياً في العمى البصري والعقلي على مبدأ ( مجرب أفهم من طبيب)، واستغرب حضرته كيف لا يرى العالم إصلاحاته ، وهو قد أنجز الاصلاح السياسي كله ويكمل الاصلاح الدموي بإعطاء أوامره لعصاباته بالقتل والملاحقة ودخول المدن والبلدات السورية بما يشبه قراراً رسمياً بالجرائم التي تحدث في سورية .
وأفاض في منجزاته الاصلاحية وعرض خلاصتها كمشروع جاهز يقدم لمجلس الدمى وجبهته الوطنية لتمريره واكتسابه صفة الشرعية ( الدستور موجود والقوانين موجود وزمن الاستفتاء بعد شهرين وانتخابات مجلس شعب بعد ستة شهور ،وحدد مواصفات المعارضة الوطنية بأنها تلك التي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم ولا تجتمع مع السفارات ولا تبتز الرئيس وتكره الخارج ولا تنادي بالحوار ومعزولة عن وباء الحرية والديمقراطية الغربية وهذيان له أول وليس له آخر !كأن الرئيس يعيش في المريخ وليس في سورية التي حولها نفسه إلى خراب وبرك من الدماء وأشلاء ومعتقلات ومشردين في سورية وخارجها.
حقيقة كانت متابعة خطاب بشار أسد برهنة أخيرة على متاهة جنون العظمة الفارغة لدى طاغية صغير معاق خلفاً لطاغية كبير ، وأيضاً مؤشراً مباشراً لتحديد ما الذي تعلمه الرئيس ونظامه المتكلس من أحداث خطيرة تعيشها سورية ، وما هي النتائج التي استخلصها من حربه المجنونة ضد الشعب الأعزل ، وهل طرأ عليه بعض العقلانية في مقاربة الأحداث ؟ وما هي الخيارات التي سوف يقدمها للشعب وللعرب وللعالم ؟وكيف سيعالج الأمور التي أوصلها بنهجه الأرعن إلى حالة من الخطورة والتعقيد الكارثيين على حاضر سورية ومستقبلها ؟!.
لا هذا ولا ذاك ! الأمر الوحيد هو تقمص شخصية عربيد وإدمان على تبني وهم المؤامرة الخارجية ، وكيل التهم للعرب بالجملة ، واجتراراً لهذيانه السابق ،، بأنصاف الرجال ،، مضيفاً عديد الشتائم لجامعة الدول العربية التي سوف تكون بدونه ،،لا جامعة ولا عربية بل مستعربة ،، والحقيقة أنها تستاهل لأنها وفرت له المهلة تلو الأخرى للمزيد من سفك الدماء البريئة للقضاء على ثورة الحرية والكرامة وإنقاذه من مسلسل الدم السوري .
أخيراً ، نعترف لهذا الممسوس بجنون العظمة والمؤامرة ،ونقول نعم هناك مؤامرة كبرى خطيرة على سورية ، نعم هناك مؤامرة تستهدف سورية وتاريخها وتكوينها وحضارتها ، نعم هناك مؤامرة بدأت فصولها قبل عقود ولازالت تتسلسل إلى اليوم ، نعم هناك مؤامرة خبيثة سرطانية على هذا البلد العريق الذي أهدى العالم الحرف والحضارة والكرامة ، نعم هناك مؤامرة ومتآمرين كثر على حاضر ومستقبل هذا الوطن العزيز ، لكن أليس من الغباء الغريب أنك يا حضرة الرئيس المهووس بالمؤامرة لم تستطع أن تكتشفها لسنوات ولم تتمكن من القبض عليها وعلى منفذيها متلبسين بالجريمة في درعا وحمص وحماه وريف دمشق جبل الزاوية وأدلب ودير الزور والحسكة وعامودا واللاذقية وبانياس وسلمية ومعرة النعمان ومصياف وكل سورية !.
باختصار القول ، أنت المؤامرة كلها يا حضرة الرئيس ، أنت من نفذ المؤامرة بإعطائه الأوامر بقتل الشعب السوري والتمثيل في وطنيته وكبريائه وكسر إرادته ، لكن قالها أطفال درعا الأبطال وابراهيم القاشوش وغياث مطر وكل شباب وشابات الثورة الابطال : زمن الخوف قد ولى وحان وقف المؤامرة .
ارحل يا حضرة المؤامرة قبل فوات الأوان !.