بشار الأسد تلميذاً أيام حماه.. صورة للتفكّر والاتّعاظ/ وليد بركسية
لم يقصد رئيس النظام السوري بشار الأسد، من نشر صورته وهو تلميذ يدرس، في حقبة الثمانينيات، مشاركة ذكرياته الطفولية أو أرشيفه العائلي “اللطيف” مع جمهور الموالين فقط، بل وجد في نشر الصورة فرصة مثالية لاستعراض التواضع وادعاء الانتماء للشعب البسيط، مقدماً نفسه على أنه ليس ابن الدكتاتورية السلطوية التي أوصلته للرئاسة بالوراثة، بل مجرد فرد آخر من ملايين السوريين، الذين درسوا بجد وتقدموا في الحياة بشكل طبيعي نحو المكانة التي يستحقونها بجهودهم.
الصورة التي نشرتها صفحة “رئاسة الجمهورية العربية السورية”، الخميس، كـ”تحية لكل طالب سوري في وجه ظلام التخلف والإرهاب” تعود للأسد خلال تحضيره لامتحانات الشهادة الثانوية العامة في العام 1982، بعد أشهر قليلة فقط من الحملة الدموية التي شنها والده حافظ الأسد على مدينة حماة وارتكابه مجزرة مروعة بحق المدنيين هناك.
وترتبط الصورة بتاريخ بعثي طويل، يدغدغ به الأسد تلك الاشتراكية المزعومة في الدولة الأسدية التي أطلقها حافظ الأسد، ليس فقط عند استيلائه على السلطة وتحويل سوريا إلى الدكتاتورية العسكرية الشمولية، بل منذ أيام نشاطه الحزبي الطلابي حين “انتخب” رئيساً للمؤتمر الطلابي التأسيسي الأول في مدينة اللاذقية في 30 آذار 1950، وهو اليوم الذي حوله النظام السوري لاحقاً إلى يوم للطالب السوري، تماهياً مع فكرة خلود “القائد” وتأريخ كافة ما قام به “نضالياً”، وربط البلاد بطرق مباشرة وغير مباشرة بذلك التاريخ الأسدي حصراً والذي قد لا يكون بالضرورة معبراً عن كل السوريين.
ويحيل الحديث عن الدراسة، تلقائياً، إلى مقاربة مخيفة لنتائج حرب الأسد على الشعب السوري، حيث بات حوالى 1.75 مليون طفل سوري خارج المدرسة بينما بات معظم الأطفال متأخرين حوالى 6 سنوات على ما يفترض أن يكونوا قد حصّلوه من مهارات القراءة والكتابة والرياضيات بالنسبة لأعمارهم، استناداً إلى تقرير نشرته لجنة الإنقاذ الدولية، الشهر الماضي، أشارت فيه أيضاً إلفى أنه قبل الحرب، كانت هناك 22 ألف مدرسة عاملة، أغلق منها ما لا يقل عن 7400 فيما تعاني البقية من مشاكل كارثية، صحياً وأمنياً وتعليمياً.
ومع هذه الأرقام المروعة سيضمن الأسد خلق جيل ضائع في البلاد، لن يمتلك كثير من أطفاله عندما يكبرون في المستقبل القريب، رفاهية نشر صورة طبيعية لهم، كصورة الأسد، وهم يدرسون بجد على الطاولات مع فنجان قهوة ويحلمون بغد أفضل، علماً أنه مع الواقع الحالي سيكون سهلاً استغلال الأطفال ووقوعهم في الفقر أو أن يصبحوا ضحية للأفكار المتطرفة والإرهاب الحقيقي، فضلاً عن التجنيد والقتل والعسكرة وغيرها من مفرزات الحرب التي درسها الأسد جيداً أكثر من أي مادة أخرى. ولا يعد النظام هنا سوى بمزيد من التجنيد ضمن الميليشيات المحلية كنوع جديد من المكاسب في اقتصاد ما بعد الحرب.
وهنا، يستذكر الأسد بشكل أو بآخر شعارات حزب البعث التاريخية التي كانت منحازة “للعمال والفلاحين وصغار الكسبة” وغيرها من التسميات التي يصف بها الفكر البعثي القاعدة الشعبية الريفية التي بنيت عليها دولة البعث قبل أن تصبح العام 2011 القاعدة الشعبية للثورة ضده، بعد فقدان تلك الطبقة كثيراً من الامتيازات والمكاسب التي كانت تنالها من الاشتراكية الاقتصادية، منذ أيام قوانين التأميم والإصلاح الزراعي وصولاً الخطط المالية القائمة على مركزية الدولة ومجانية الخدمات، وذلك مع تحول النظام السوري مطلع الألفية نحو اقتصاد السوق الاجتماعي والليبرالية الاقتصادية، وما تبعه من تقليص للخدمات في الأرياف التي باتت مناطق مهمشة فقيرة أكثر من أي وقت مضى.
في ضوء ذلك، يخاطب الأسد السوريين في الأرياف، وأفراد الطبقة الوسطى من الطائفة السنية في المدن تحديداً، من الذين قدم لهم نظام البعث على مر السنين خدمات وامتيازات، بشكل منفصل عن فكرته لحماية الأقليات من المستوى الاقتصادي نفسه كالمسيحيين، ضمن خطابه بعد الثورة، وكأنه يطالب في هذا التوقيت بردّ الجميل عبر “العودة لحضن الوطن” وبالوفاء وبالالتزام بعقد اجتماعي نقضه هو بنفسه من طرف واحد من دون الانتقال بالدولة “الجمهورية” في سوريا إلى المستقبل المشرق، كما كان يدعي في أعوامه الأولى كرئيس ورث السلطة عن أبيه، ولم يصل إليها بدراسته أو انخراطه في الشأن السياسي العام.
في السياق نفسه، تبدو الصورة وكأن الأسد يقول من دون أن يصرح، بأن كل ما جرى مِن إجرام في البلاد هو ردّ فعل طبيعي تجاه “قليلي الوفاء” الذين نسوا “أفضال” حزب البعث عليهم، وهو بحربه وسياسة الأرض المحروقة ضدهم يستعيد ما كان أصلاً له، لا كفرد من الشعب بل كجزء من السلطة منذ كان طفلاً أو تلميذاً، ويصبح السوري المَرْضي عنه من الطبقات المستهدفة بالخطاب، هو الذي يدرس وينفذ ما يفترض به فقط من دون التفكير بحقوقه أو المطالبة “الإرهابية” بها.
على أن الطرح السابق كله لا يمثل رغبة مطلقة في عداء تلك الطبقة، بقدر ما هي رغبة في استمالتها من أجل “العودة إلى حضن الوطن” عبر النوستالجيا، وكأن الصورة تمثل اعترافاً بأن الأسد رغم كل الدعم الخارجي له، لا يستطيع بسط سيطرته على كامل التراب السوري من دون وجود مؤيدين له في تلك الأرياف الناقمة وحتى ضمن المدن على المدى البعيد.
المدن