صفحات العالم

بشار الأسد والفرصة التي لن تعود


منذر عيد الزملكاني

لن أدخل في هذا المقام بفرص الإصلاح التي أضاعها أو بمعنى أدق أهملها بشار الأسد منذ خلافته لأبيه عام 2000 ميلادية وحتى ميلاد الربيع العربي في 2011، لكن يكفي أن أشير إلى ما أورده ستيفن هايدونمان أحد كبار الباحثين في الشأن السوري خصوصا والعربي عموما إلى أن الفترة ما بين عامي 2006 و2007 تميزت بتصعيد كبير وغير مسبوق للقمع السياسي في سوريا ووصول أعداد المعتقلين السياسيين إلى حدود لم تكن معهودة من ذي قبل ولا حتى في عهد أبيه حافظ الأسد. ولن أدخل هنا في نقاش ومناظرة حول ما إذا كان بشار الأسد أصلا مشروع إصلاح سياسي واقتصادي لسوريا أم أنه امتداد لحكم حافظ الأسد، فذلك له مقامه أيضا.

لكن نبقى في الربيع العربي أو ما أحب أن أسميه بالفجر العربي فقد كان بمقدور بشار الأسد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأن يكون زعيما تاريخيا لسوريا لو أنه أحسن قراءة ما جرى في تونس وفي مصر وما كان يجري في ليبيا واليمن وما عليه المنطقة العربية من أحداث طارئة وجارفة لا تبقي ولا تذر إلا من تذكر واعتبر.

لقد تحسس بشار الأسد وهج الثورات العربية التي كان بوسعه أن يستضيء بها بدلا من أن يكتوي بنارها. وأحس بالخطر الشديد مع سقوط بن علي ومبارك واشتعال كل من اليمن وليبيا. كان من المفروض على بشار الأسد أن يتخذ إجراءات استباقية لمواجهة خطر مد الثورات العربية وصدها عن دخول داره لحماية عرينه ونظامه وهو النظام الأكثر عدوانية لشعبه وهو الأجدر بضرورة الإصلاح والتغيير من غيره. لكن القرار الوحيد الذي اتخذه بشار الأسد هو الاستعداد الأمني والعسكري للمواجهة مع الشعب. فقد توالت الأنباء عن وصول سفينتين حربيتين إيرانيتين إلى شواطئ اللاذقية وعلى متنهما معدات عسكرية وأسلحة لقمع المتظاهرين، كما اعترضت تركيا طائرات إيرانية متوجهة إلى سوريا محملة بمعدات وأسلحة أيضا لقمع المتظاهرين. إذن فالقرار المبيت والنية المعقودة كانت هي القمع والقتل وليس الإصلاح أو الحوار وبمعنى آخر الحرب على الشعب لا المصالحة معه أو الحرب على الشعب ثم فرض المصالحة عليه. إنها العقلية الأمنية المزمنة التي جبل عليها النظام السوري منذ نشأته الأولى.

كثيرون هم أصدقاء النظام السوري وأصدقاء بشار الأسد بشكل خاص مثل رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي وليث شبيلات المعارض الأردني البارز، الذين أبدا ما بخلوا عليه بالنصيحة تلو الأخرى من أجل المضي قدما في إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية وأن يستقوي هو بها على الشعب قبل أن يستقوي الشعب عليه بطلبها.

وكان الجواب الضمني لبشار الأسد للجميع دائما هو أن أهل مكة أدرى بشعابها واتخذ الحل الأمني سبيلا، إلا أن الأحداث في سوريا تؤكد يوما بعد يوم أن بشار الأسد ما كان يوما يدري شعاب سوريا ولا من هو شعبها.

لقد فشل النظام في سوريا في قمع المتظاهرين وإخماد الثورة، وأدرك بشار الأسد صدق وحرص ناصحيه، فبعد أكثر من عشرة شهور على استخدام الحل الأمني نجد أن الثورة تزداد أفقيا وعموديا وأصبحت سيطرة النظام الآن على الأرض محدودة تماما. ففي مدينة دمشق وريفها لا يسيطر النظام فعليا إلا على المنطقة الواقعة ما بين ساحة الأمويين في الغرب وساحة العباسيين في الشرق وما وراء ذلك فالجيش السوري الحر هو صاحب اليد العليا. لذلك بدأ النظام في سوريا بتكتيك جديد مع قبوله بعثة المراقبين العرب واستغلال وجودهم بافتعال تفجيرات مروعة في دمشق عاصمة الأمويين وهي أعمال غير مسبوقة في مسيرة الثورة السورية، والهدف من ذلك هو خلق نوع من التوازن بين النظام والثوار في مظلمتهم للجامعة العربية، فالثوار يشتكون من قمع النظام وإجرامه بينما يشتكي النظام من العمليات الإرهابية «المفبركة» والعصابات المسلحة المزعومة ويصبح كلا الطرفين غير راض عن أداء المراقبين ومستوى مهنيتهم ومدى نزاهتهم. وهذا ما يجعل الجامعة العربية في مأزق أشد مما هي فيه، الأمر الذي يمهد لتسوية بين النظام والمعارضة على غرار ما حدث في اليمن من تجاوز للثوار وتجاهل لمطالبهم خصوصا أن المعارضة السياسية ما زالت ضعيفة ومهلهلة أو أنه يراد لها أن تكون كذلك، فالمجلس الوطني بتركيبته الحالية غير مؤهل سياسيا ولا حتى تنظيميا لإسقاط النظام وقيادة المرحلة التي تليها بينما هيئة التنسيق الأكثر خبرة قد سقطت شعبيا عندما تولت عن أهداف الثورة بل تربصت بها ونالت منها منذ البداية. إذن النظام يسعى الآن إلى فرض الحل السياسي وذلك من خلال الجامعة العربية بعد أن عجز عن فرضه على الثوار منفردا.

لكن تبقى إرادة الأحرار والحرائر في داخل سوريا الأمل لهذه الثورة العظيمة والسبيل الوحيد في إحباط أي مشروع من النظام أومن الجامعة العربية ممكن أن يضفي الشرعية من جديد على نظام بشار الأسد وإن ازدادت التضحيات وارتقى عشرات الآلاف من الشهداء. فالثورة لا تعبأ أبدا بالتكاليف والتضحيات وإنما بمدى تحقيق الأهداف والوصول إلى المطلوب. وتبقى التكلفة الأكبر على سوريا وشعبها الحر ليس عشرات الآلاف من الشهداء ولا الفتنة الطائفية المقيتة ولا الضائقة الاقتصادية المريرة وإنما هي بقاء هذا النظام واستمرار آل الأسد في حكم البلاد واستعباد العباد.

* باحث في مركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز، المملكة المتحدة

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى