بشار الأسد ونموذج -فرانكشتاين- الفاشل
وهيب أيوب
ما من شك، أن بشار الأسد نجح بتحقيق عدة خطوات أو أهداف مرحلية، أراد أن يُلبسها للحراك الثوري منذ البداية. فمنذ الأسبوع الأول، بدأ يتحدّث عن عصابات مسلّحة وحركات سلفية إسلامية تقوم بأعمال العنف والتخريب بهدف إقامة إمارة إسلامية، ثم لوّح بالصراع الطائفي لإرعاب الأقليات واستمالتهم لجانبه، وقد نجح إلى حدٍّ ما في هذا الشأن.
لكن، لماذا اختار بشار الأسد ونظامه هذا التوصيف للحراك المناوئ لحكمه؟ بالتأكيد لا تحتاج الإجابة الكثير من الذكاء؛ لقد قرّر الاثنان أن لا سبيل لمواجهة هذا الحراك قبل أن يتسع ويتمدّد سوى القمع الشديد واستخدام الرصاص، لإرهاب كل من تسوّل له نفسه بالانضمام لتلك الاحتجاجات، وأن الثمن مقابل ذلك باهظ وخطير. وقد ظنّ الأسد وزمرته بأنهم قادرون على تكرار سيناريو عام الـ82 أثناء مجازر حماة وبعض المدن الأخرى التي ارتكبها حافظ الأسد، لكن حماة أخذت الصيت الأكبر لضخامة وحجم المجزرة فيها. إلا أن الأسد الصغير هذا، بجهله لم يُدرك تغيّر الزمن وتبدّل الظروف فركِب رأسه.
بعد مرور ستة أشهر، حقّق النظام هدفه الأول عبر دفعه الثوار للدفاع عن أنفسهم باستخدام السلاح، وكان واثقاً أن قوّة جيشه وأجهزته الأمنية الضاربة ستقضي على الحراك بمدة قصيرة نظرا لتفوّقه بالعدّة والعتاد والأعداد. لكن الجيش الذي قمَعَ وقتَلَ في حماه دون أن يتساءل، أو ربما كانت لديه القناعة بما يفعل، أو أنه لم يكن قادراً على الاعتراض، اختلف هذه المرّة بعد أن رأى وسمع الجنود الذين أُرسِلوا لقمع المتظاهرين في الأشهر الأولى أن أحداً منهم لا يحمل سلاحاً وأن التظاهرات سلمية بالكامل، لكن أوامر الضباط باستخدام العنف والقتل تجاه المتظاهرين كانت قاطعة، وذاق الجنود على جلدهم وأرواحهم معنى رفض الأوامر، وهي الإعدام رمياً بالرصاص غيلة من الخلف أو إعدام ميداني، كما كانت تتكشّف الأمور يوماً بيوم. هنا بدأت الانشقاقات في الجيش أفراداً وضباطا حتى وصلوا إلى تأسيس الجيش الحرّ بقيادة ضباط كبار منشقين.
وليحقق الأسد هدفه الثاني عن وجود حركات سلفية، أخذ يستخدم بعض المجموعات التي أنشأها هو نفسه سابقاً، أو استقدمها واستخدمها أمثال عناصر من “القاعدة” أو “فتح الإسلام” وغيرهم لتحقيق أهداف في الجوار الإقليمي في العراق ولبنان، ولكن لاحقاً ظهرت بالفعل بعض المجموعات السلفية، خاصة شمال سوريا، معلنة الجهاد على النظام. لقد ظنّ الأسد بأنه كما في السابق هو ووالده من قبله، أنّه قادر كالحاوي إخراج الأفاعي من أكمامه ثم إعادتها متى أراد، وهو ذات الأسلوب الذي استخدمته أميركا مع “القاعدة” في أفغانستان، لينقلب السحر على الساحر.
لقد سلك الأسد ونظامه هذا الخيار الوحشي منذ البداية، ليس نتيجة تخطيط وذكاء بقدر ما هو استعداد مُسبق لاستخدام أقصى أساليب العنف والقتل والوحشية وإخضاع الناس بقوّة السلاح والبطش، التي صحّ أن نُسمّيها همجية بربرية نادرة التوصيف في القرن الحادي والعشرين، سيّما وأنه يزداد شراسة يوماً بعد يوم نتيجة فقدان ثقته بالجيش وولائه له، لهذا فإن ثلثي الجيش السوري مُحتجز ومُعطّل ولا يجرؤ على استخدامه خوفا مِن الانشقاقات المؤكّدة التي ستحصل في الجيش فيما لو حاول زجّهم في قتل أبناء شعبهم.
مع كل الجهد الذي بذله نظام الأسد وعصابته في الترويج لأكاذيبه وادّعاءاته من أنه يواجه عصابات مسلحّة وسلفيين ومؤامرة كونية، إلا أنه ورغم نجاحه بتحقيق بعض الأهداف بدفع الثورة للاتجاه الذي يجعله ينتصر عليها، أخفق في حسم الأمور كما كان يروّج دائماً. وكان أذكى ردود الثورة في سوريا هو استمرار التظاهرات السلمية، رغم حجم القتل والدمار الذي كان يوقعه جيش الأسد وعصاباته من قصف بالطائرات والصواريخ والمدافع والبراميل المتفجّرة، لترويع الناس وإخضاعهم وثنيهم عن التظاهر. ورغم استطاعته تقليص تلك التظاهرات، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في وئدها كما كان يأمل، بحيث يُظهر للعالم بأن الصراع هو محض صراع مسلّح تقوده عصابات متمردة على الدولة والشرعية. ومما زاده فشلاً وضيقاً، أن المسيرات المُصطنعة المؤيّدة للنظام التي كان يعدّها بالملايين هي التي تلاشت وانقرضت، فارتبك وصُدِم، بحيث “لم يأتِ حساب السرايا على حساب القرايا”.
تقول ماري شيلي في روايتها “فرانكشتاين”، أن طالبا ذكيا اسمه فيكتور فرانكشتاين اكتشف طريقة لبعث الحياة في المادة، فخلق مخلوقا ضخما وهائلَ الحجم، لكنه ارتكب بعض الأخطاء فتحوّل المخلوق هذا إلى قاتل، وأخذ يقتل بعائلة فرانكشتاين نفسه ثم قتل زوجته وحاول قتله هو أيضاً، ويعود في النهاية هذا المارد ليجد خالقه فرانكشتاين ميّتاً.
ما كان بشار الأسد هذا الديكتاتور الصغير المسخ بذكاء فرانكشتاين، ولا هو بقادر على صنع الأشياء كما يشتهي ويريد، ولم تُطاوع ريحه أشرعته فاختار الصعود إلى الهاوية.
لقد خرج المارد السوري من قمقمه الذي احتُجِز فيه لأكثر من نصف قرن، وهو لن يعود إليه مهما حاول الديكتاتور المسخ من الإفاضة في عنفه وقتله وهمجيته. فالذين اخترقوا كل حواجز الخوف والرعب، سوف لن يعودوا إلى بيوتهم إلا على جثّث الطغاة وديكتاتورهم الممسوخ.
الجولان السوري المحتل