صفحات العالم

بشار والخروج من الباب الصغير


    علي حماده

نحن في منتصف شهر تموز ولكن الطقس في باريس خريفي ماطر. هذه هي مفاجآت الصيف الاوروبي ولا سيما في نصف القارة الشمالي. ومع ان الطقس ينذر بمطر فإني سأنزل الى جادة الشانزيليزيه لمشاهدة العرض العسكري لمناسبة العيد الوطني الفرنسي. انه تقليد واظبت عليه لسنوات طويلة ولم انقطع عنه سوى ما ندر. هذا اول عيد وطني يترأسه الرئيس فرنسي الجديد فرانسوا هولاند، واجمل ما في العرض هذه السنة انه لن تتخلله مفاجآت سيئة ومؤذية كالمفاجأة التي سقطت علينا سقوط الصاعقة يوم علمنا عام ٢٠٠٩ ان الرئيس السوري بشار الاسد سيحل ضيف شرف في المنصة الرئاسية المنصوبة على ساحة الكونكورد ليستعرض القوات المسلحة الفرنسية في مناسبة تتصل بثورة من اكبر الثورات في التاريخ تأثيرا واشعاعا وقامت على الشعار المثلث “الحرية والمساواة والاخاء”. في ذلك العام كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ينطلق بسرعة صاروخية في مهمة لتبييض سجل بشار الاسد بعد خمس سنوات من المقاطعة والنزاع مع المجتمع الدولي اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام النظام في سوريا بالضلوع وراء الاغتيال وغيره من الاغتيالات التي حصلت في لبنان واستهدفت عددا من قادة الاستقلال الثاني.

يوم قرر ساركوزي استضافة الاسد على المنصة الرئاسية الى جانبه كان فرانسوا هولاند السكرتير الاول للحزب الاشتراكي الفرنسي آنذاك يصدر موقفا حادا منتقدا خطوة ساركوزي واصفا بشار الاسد بقاتل ودكتاتور لا يستحق ان يدعى الى  الاحتفاء بثورة كالثورة الفرنسية. مرت السنون ولم يتغير الموقف في عهد ساركوزي الا مع بدء الثورة في سوريا وتطور الموقف تصاعديا من شهر آذار ٢٠١١ لغاية اليوم الاخير من عهده في ايار الماضي خلال معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية راهن بشار وعباقرة السياسة الخارجية في نظامه وبعض اللبنانيين على هولاند كي يغير الموقف الفرنسي من بشار في حال فوزه، تماما كما فعل ساركوزي الذي قطع مع سياسة سلفه جاك شيراك وانفتح على بشار وصولا الى انفتاح عائلي شمل الزوجات. اكثر من ذلك فقد قام متمول لبناني كبير مقيم في الخارج سبق له ان موّل انتخابات مرشحين للنيابة في لبنان وبتدبير من لبناني يعمل مستشارا لبثينة شعبان بتحرك هدف الى تقديم مساهمة مالية لحملة هولاند وذلك بهدف فتح علاقة مميزة مع هولاند في حال فوزه. فشلت المحاولة لسبب رئيس غاب عن اصحابها وهو ان اموال الدنيا كلها ما عادت تكفي لشراء سمعة جديدة لبشار بعدما صار اسمه لصيقا بأسماء كبار القتلة في التاريخ السياسي الحديث. راحت الاموال وصار مشهد بشار في ساحة الكونكورد من الماضي وليصيرالمشهد المستقبلي الوحيد المقبول دوليا هو السقوط والخروج من التاريخ من بابه الصغير.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى