صفحات العالم

بشار يواجه الضغط العربي بخيار شمشون


أحمد عثمان

بعد تسعة أشهر من بدء انتفاضة الشعب السوري في الثامن عشر من مارس (آذار) الماضي والمواجهات المستمرة بين الجيش والمتظاهرين، قررت جامعة الدول العربية التدخل لمحاولة الوصول إلى حل سلمي للصراع في سوريا. وبعد زيارة قام بها وفد الجامعة إلى دمشق برئاسة الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر، أصدرت الجامعة توصياتها لحل الأزمة، ووافقت عليها الحكومة السورية من دون تحفظ. ورغم هذا استمر بشار الأسد في التعامل مع المتظاهرين بذات الأسلوب السابق، بل إن عدد القتلى في أيام العيد – خاصة في حمص وحماه – ازداد بعد المبادرة عما كان عليه قبلها. وتبين رفض النظام السوري للمبادرة العربية صراحة عندما تحدث بشار بعد صلاة العيد قائلا لا خيار أمامنا سوى أن ننتصر. أي أن الرئيس السوري اعتبر نفسه في معركة فاصلة مع شعب سوريا يجب عليه أن ينتصر فيها، حيث إنه يعتبر الاستجابة لمطالب الشعب هزيمة وقهر المواطنين نصرا.

ولما كانت المبادرة العربية تهدف إلى الضغط على النظام السوري لوقف العنف والتدمير، فقد اعتبر بشار موقف العرب عدائيا وراح يهددهم بالانتقام. فهناك بعض الروايات تقول إن بشار الأسد هدد عند لقائه الأخير بوزير الخارجية التركي أحمد داود أغلو، بنشر الحرائق في حقول النفط الخليجية وإغلاق الممرات المائية – عند هرمز وقناة السويس – لإعاقة التجارة العالمية. كما هدد الرئيس السوري بتدمير منطقة الشرق الأوسط بأكملها خلال ست ساعات فقط. وأكد بشار تهديده هذا في لقائه مع جريدة «صنداي تلغراف» البريطانية، حيث قال: لو تدخلت القوى الغربية لنصرة الشعب السوري فهي تخاطر بحدوث زلزال يحرق الشرق الأوسط بأكمله.

ويذكرنا موقف بشار الأسد هذا بموقف شمشون الجبار الذي اختار أن يهدم المعبد فوق رأسه، حتى يقتل أعداءه معه.

فمنذ تسعة أشهر شهدت سوريا انتفاضة شعبية تطالب بإجراء إصلاحات ديمقراطية، انطلقت من درعا ثم انتشرت في جميع أنحاء البلاد. وبدلا من التعامل مع المتظاهرين بالحكمة والاستجابة لمطالب الجماهير بشكل سريع، قرر بشار إرسال وحدات الجيش والأمن للقضاء على حركات الاعتراض بالقوة. وبعد أول أسبوع من المظاهرات الدموية التي شهدتها البلاد، تحدث بشار إلى مجلس الشعب – ليس ليطمئن شعبه على مستقبل بلادهم – بل ليتهم حركة الاحتجاج بأنها تمثل مؤامرة خارجية تقف وراءها الولايات المتحدة الأميركية. فخرج الناس غاضبين وكسروا حاجز الخوف وامتدت الاحتجاجات إلى غالبية المدن السورية بالطرق السلمية، فجاء الرد على الفور من قوات الأمن التي أطلقت النار بشكل عشوائي، وسقط الكثير من القتلى الذين قدرتهم إحصائيات الأمم المتحدة بنحو 3500 شخص، بينما قدرهم الثوار بنحو خمسة آلاف. كما امتلأت السجون والمعتقلات بعشرات الآلاف من أبناء وبنات سوريا، الذين أسرهم رجال الأمن.

وإذا نظرنا للتاريخ فسوف نجد أن الشعب السوري لم يتمتع سوى بفترة قصيرة من الحرية والديمقراطية منذ أن نالت بلاده الاستقلال عن فرنسا في 16 أبريل (نيسان) 1946، عندما كان شكري القوتلي رئيسا للجمهورية. بعد ذلك شهدت سوريا عدة انقلابات عسكرية ما بين 1949 و1958، ثم قامت الوحدة بينها وبين نظام جمال عبد الناصر في مصر التي لم تستمر سوى ثلاث سنوات، سقطت بعدها على يد انقلاب عسكري آخر أدى إلى استيلاء حزب البعث على الحكم في 8 مارس 1963. ومنذ ذلك التاريخ فرض البعثيون الأحكام العرفية على الشعب السوري فقيدت الحريات وأصبحت السلطات الأمنية تتحكم في كل ما يجري في البلاد. ومع سيطرة البعث صار حافظ الأسد قائدا للدفاع الجوي ثم رئيسا للوزراء ثم رئيسا للجمهورية في 12 مارس 1971. وبعد توقيع مصر على اتفاق السلام مع إسرائيل في 17 سبتمبر (أيلول) 1978، قادت سوريا بعض الدول العربية المعترضة على الاتفاقية في جبهة للصمود والتصدي في مواجهة سلام مصر، وتمكنت من حمل الجامعة الدول العربية على إصدار قرار بتعليق عضوية مصر. ورغم خضوع الشعب السوري للأحكام العرفية نحو نصف قرن بسبب الصمود والتصدي، فلم يطلق جيش الأسد رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، حتى عندما تعرضت بلاده للقصف الإسرائيلي، ولا تزال مرتفعات الجولان محتلة حتى الآن. وبدلا من محاولة استعادة الجولان المحتلة، أمر بشار جيشه باحتلال مدن سوريا من حدود تركيا في الشمال إلى حدود الأردن ولبنان في الجنوب.

كانت المبادرة العربية تتضمن عدة خطوات على الحكومة السورية تنفيذها، تتمثل في وقف استخدام العنف لقمع المتظاهرين وسحب القوات العسكرية والأمنية من المدن، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين والسماح للإعلام بالوصول إلى مناطق الصراع، لكن سوريا لم تنفذ أيا من هذه البنود. وفي خطوة جريئة قررت الجامعة العربية في اجتماع طارئ عقدته في 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، تعليق حضور سوريا اجتماعات الجامعة حتى تقوم بتنفيذ المبادرة، كما قررت الجامعة اتخاذ الخطوات المناسبة لحماية الشعب السوري من بطش حكومته في حال استمر نظام الأسد في قتل المواطنين.

ورغم أن القيادة السورية لا تزال تسيطر حتى الآن على الموقف في البلاد، إلا أن إصرارها على استخدام العنف لقمع المتظاهرين بدلا من الاستجابة لمطالبهم في تحقيق الإصلاحات الديمقراطية، أدى إلى وصولها إلى نقطة اللاعودة. وبخلاف ما ذهب إليه بشار الأسد، فليست هناك نية حتى الآن لقيام الدول العربية – أو الغربية – بأي عمل عسكري ضد المدن السورية. والاحتمال الأكثر قبولا هو أن تتولى تركيا بعد حصولها على غطاء عربي ودولي، إقامة منطقة عازلة في شمال البلاد لحماية المدنيين على طول حدودها، يسمح لشعب سوريا بمواجهة النظام سلميا دون الخوف من بطش الجيش والشبيحة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى