بشرى الرهبان/ عمار جلو
( أي بني والله ما أعلمه اصبح اليوم احد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه , ولكنه قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام , يخرج بأرض العرب , مهاجره الى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى , يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل) .
هذا ماقاله صاحب عمورية , الراهب الذي تتلمذ على يديه الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رضي الله عنه) وهو على فراش الموت , رداً على سؤال سلمان , لمن تعهدني بعدك يعلمني ؟
فالتوراة والأنجيل والقرآن كتب الديانات السماوية الثلاث , كل منها تحدث عن النبي القادم فالتوراة حدثت عن عيسى ابن مريم عليه السلام كما حدث الأنجيل معها عن النبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام , لكن رهبان النصارى تميزواعن اليهود أنهم لم يكتموا البشرى على الأخرين بل تمنوا الحياة لمبعثه حتى يؤازروه وينصروه .
تواردت بشائر الرهبان بقدوم الرسول الكريم (ص), فمنها بشرى بحيرى راهب بصرى لأبي طالب عم الرسول (ص) أثناء رحلته التجارية للشام التي أصطحب ابن اخيه فيها .
نقل هذه البشرى سيف بن ذي يزّن لعبد المطلب جد الرسول (ص) حين أتاه مع أشراف مكة مهنئين له عودة ملّكه , وكان حينها على دين النصرانية , مضاعفاً له العطاء وموصيناً بالحذروالحيطة على حفيده (ص) مما يٌّمكر له إن عرفوه .
بشر به ورقة بن نوفل لأم المؤمنين خديجة , حين أتته خائفةً على رسول الله مما أصابه بعد أول نزول الوحي عليه , وكان ورقة بن نوفل يعلم ذلك من نصّرانيته قبل أنتقاله للتوحيد (ملة أبراهيم الخليل) عليه السلام .
بل أنهم وصفوا أمام العدل عمر بن الخطاب وذكروا عدد الرقع بثوبه في حادثة تسلّيم مفاتيح الأقصى , المسماة معاهدة إيليا , وعاشوا بظل دولة الأسلام مكرمين غير منقوصي الحقوق مؤّمنين على حياتهم وأعراضهم وأموالهم , حتى أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب جلس إلى جوار نصراني أمام القاضي بقصة الدرع وحكم القاضي للنصراني .
واليوم يعتقل أحفاد الرهبان المبِّشرين برسولنا من قبل من يطمح لأعادة الخلافة الأسلامية , فإي تناقض هذا , وإي جرم أقترفه هؤلاء الذين تم أختطافهم حتى يكون مصيرهم مجهولاً .
فالمطرانيين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم الذين تم إخفاؤهما بشمال سوريا وأخر ما قيل عن مجموعة شيشانية جهادية كانت وراء حادثة أختطافهم ومقتل الشماس المرحوم فتوح الذي أختلفت الروايات بجهة قتله , إلى الأب باولو دالوليو الذي أختفى بمحافظة الرقة التي قدِمها لمقابلة أحد أمرء جبهة النصرة والتي ترشح الأخبار عن عناصر تابعة لما يسمى دولة العراق والشام الأسلامية قامت بأعتقاله , وقبلهم المطرانين ميشال كيال وماهر محفوظ , والخشية أن يكون مصيرهم كمصير الأب الفرنسيسكاني الكاثوليكي فرنسوا مراد .
فالمسيحيين الشرقيين قاطبة كانو ومازالو جزء من هذا المجتمع وعانوا ما عاناه مجتمعنا الشرقي سواسية , ولربما ليس غريباً أن حياً دمشقياً عريقاً كباب مصلى لا تفصل فيه الكنيسة عن المسجد الإ شارع ضيق او بضعة أمتار , ربما تكون فسحة لتوسيع المسجد او الكنيسة حين الحاجة .ولربما ليس غريباً أن البطريرك غريغور بطريرك الروم الأرسوزكس بدمشق بأواخر عهد الدولة العثمانية , فتح كنيسته ورهن أملاكها لإطعام الناس وأيوائهم بغض النظر عن دينهم حين ضربت المجاعة شامنا , حتى أنه رهن الصليب الذهبي الذي أهداه إياه قيصر روسيا , وسقط بريف حماة الخوري باسيليوس نصار برصاص قناصة السلطة المجرمة وهو يتنقل بهذا الريف لأغاثة أهله , تاريخياً وقفوا بوجه الصليبين بحملاتهم , عارضوها وحاربوها مع أشتراكهم معهم بالعقيدة , هذه الحملات التي كان من بين أسبابها الأولى تقويض مكانة المسيحيين الشرقيين ورمزية كنائسهم لدى المسيحيين قاطبة , والتي تعتبر منارة العالم المسيحي , ومنبع هذه الحملات بجوهره , الخلاف بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية الصاعدة .
فهل من سبب لاعتقال هؤلاء الرهبان , وهل من نظرة أيجابية لفضل أجدادهم بالبشارة بمبعث رسولنا الذي يقام الحد على من يمسه بكلمة من قبل أصحاب مشروع الخلافة , وهل من نظرة لمن فتح كنائسه لجرحانا بحمص فصارت مشافي الثوار الميدانية فيها , وقبل ذلك كانت ترمي الماء البارد والبسكوت على طالبي الحرية , هل من نظرة لمن فتح كنائسه للصائمين بدمشق وريفها فصارت موائد أفطارهم بها , وهل من نظرة لمن قرع أجراس كنائسه لشهدائنا بحمص , هل من نظرة لمن قرع أجراس كنائسه بالجزيرة السورية ليفطر الصائم حين تقطع الكهرباء قبيل أذان المغرب , وهل من ذكرى لكلام الله تعالى ( لتجدّن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدّن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) (المائدة 82) , أم أننا :
دفنا شريعتنا السمحاء في طمّرٍ حتى علَّاها غبار الجهل والبدع .
ناشط حقوقي وسياسي
خاص – صفحات سورية