صفحات الناس

بعد ثلاث سنوات .. «الثورة» بلسان مؤيّديها/ يسار عبد الله

بدأت الأزمة السورية بتوجيه ناشطين دعوة إلى «يوم غضب» في أوائل شهر شباط 2011، لكن الدعوة لم تلقَ استجابة في الشارع السوريّ. تبعتها دعوة أخرى إلى «يوم غضب» آخر في الخامس عشر من شهر آذار تزامناً مع حالة احتقان في مدينة درعا. استجاب عدد من السوريين لتلك الدعوة، وخرجوا في احتجاجات سلميّة، برأي المعارضة، جوبهت بالقوّة من طرف الحكومة التي تحدّثت عن أعمال تخريبية وقعت على أيدي متظاهرين، ونتج عن ذلك وقوع ضحايا. اتّهمت المعارضة الحكومة بقتل متظاهرين، بينما أعلنت الحكومة عن وجود عناصر مسلّحة قامت بقتل متظاهرين وعناصر من الأمن والشرطة.

يؤكّد المعارضون أنّ تلك الاحتجاجات كانت حراكاً شعبياً عفوياً ضدّ الاستبداد والقمع. يقول الصحافي والناشط السياسيّ غسان ياسين لـ«السفير»، «نريد التخلّص من نظام قمعيّ، وبناء دولة تحترم الحريّات، تسودها ثقافة المواطنة ويكون القانون فيها مطبّقاً على الجميع». يوافقه الناشط السياسيّ عروة الأحمد، ويضيف أنّ مشاركته في «الثورة» تأتت من الرغبة في البدء بعملية تغيير سياسية بعد مرحلة انتقالية تُقرُّ دستوراً بقانون مدنيّ، وكذلك رغبة في تغيّر اقتصادي يُخرج الدولة من أزمة الفساد و«المافيوزيّة» في احتكار الاستثمار.

كانت الدولة السوريّة قد أعلنت في بداية تصاعد العنف عن وجود جماعات متشدّدة تدفع باتجاه زعزعة الأمن وإقامة إمارات إسلاميّة. وفي يوم 21 نيسان 2011، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد رفع حال الطوارئ، وتمّ إقرار قانون لتنظيم التظاهر، لكنّ التظاهرات غير المرخّصة لم تتوقّف.

في حزيران من العام 2011، أعلن المقدم المنشقّ حسين هرموش تأسيس «حركة الضباط الأحرار». وبعد شهر، أعلن العقيد المنشق رياض الأسعد عن تأسيس «الجيش السوري الحر». كان ذلك بداية ما سمّي بـ«عسكرة الثورة» التي يختلف حولها معارضو السلطات السوريّة.

هذه العسكرة، حتى ولو بررها البعض بحجّة الدفاع عن النفس، إلا أنها أسوأ ما حدث في تاريخ «الثورة» لأنّها فتحت الباب أمام كلّ من يريد وأدها للتدخّل في شأنها وتحديد مصيرها، يقول عروة. وتروي الصحافية سيلفا كوريّة «هتفتُ يوماً الجيش الحر يمثلني، وأندم اليوم على ذلك»، مضيفة في حديث إلى «السفير» انّ «العسكرة كانت ملعب النظام الذي جرّنا إليه، وساهمت بذلك بعض قوى المعارضة». ويقول الصحافي غسان إنّ «معظم التشكيلات العسكرية الكبرى كانت مجموعات صغيرة تشكلت من أجل حماية التظاهرات السلمية، ومن ثم للهجوم على مواقع عسكرية ومراكز أمنية تابعة للنظام».

سبق إعلان العسكرة عمليات هجوم مسلّحة على مراكز شرطة وأمن في محافظة درعا خلال شهر آذار أدّت إلى استشهاد رجال أمن وعناصر من الجيش. وتبع ذلك هجوم مسلّح على مبيت عسكري قرب مدينة بانياس، بالإضافة إلى هجوم مسلّح في أوائل شهر حزيران على مقرّ أمنيّ في مدينة جسر الشغور.

بعد مضيّ اقلّ من عام على الأزمة، أعلن زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري دعمه «للانتفاضة» السورية، مؤكداً على تواجد عناصر من تنظيمه في سوريا. لم يكن «القاعدة» التنظيم الجهاديّ الوحيد الذي تدخّل في الأزمة السوريّة، بل سبقه تنظيم «جبهة النصرة»، وتبعه ظهور تنظيم «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام». وأدى تدخل تلك التنظيمات في الأزمة السورية إلى ردود فعل متباينة بين مناصري «الثورة».

تُحمّل الصحافية سيلفا مسؤوليّة دخولهم كاملة للدولة السورية التي «تعجز عن حماية حدودها»، فيما يقول عروة إنّ تلك التنظيمات «لا تشترك مع أهداف ثورة الشعب السوريّ، ولها أهداف خاصّة لا تنتمي لأهداف الثورة». أما غسان فيرحب بكلّ من أتى إلى سوريا من أجل مناصرة الشعب السوري في قضيته «العادلة».

اشتدّت الخلافات بين قوى المعارضة السياسية، ونشب الاقتتال بين الفصائل والتنظيمات المسلحة. ترجع سيلفا سبب ذلك إلى «المال والإعلام والدين السياسي بالإضافة إلى عجز المعارضة السياسية عن تشكيل مؤسسات تدعم الداخل لتشكيل إدارات محلية فاعلة». ويقول عروة إنّ التستّر على الأخطاء هو ما أوصل «الثورة» إلى هذه الحال، موضحا «ظنّ البعض أنّ التستّر على الخطأ يخفيه، لكنّه ساعد على انتشاره أكثر». أما غسان فيقرّ بوجود تجاوزات، ويرجعها إلى صعوبة إيجاد «كيان» قويّ في الداخل بسبب تزايد «إجرام النظام» وبسبب طول عمر الصّراع. ويضيف انّ «لا وجود لنزاعات بالمعنى الحقيقي إلّا بين تشكيلات الثوار المقاتلة، جيش حرّ أو مجاهدين، وبين عصابات داعش الإرهابية».

لطالما عبّر السوريون عن قلقهم من وجود «الجهاديين»، وتساءلوا عن «القوّة» التي ستُخرجهم من سوريا في حال تغيّر «النظام». ترفض سيلفا «اختصار الكارثة السورية بتواجد المجاهدين»، وتقو:ل «يبقى الخطر الأكبر الذي يواجهنا هو هذا النظام، ومصير الشعب متوقّف على رحيله»، فيما يقول غسان «أظنّ أنّ قسماً كبيراً منهم سيغادر البلاد طواعية إلى مكان آخر يكمل فيها رسالته». ويوضح أنّ لا مشكلة في بقاء الأجانب في مرحلة «ما بعد النظام» بشرط أن يكونوا ملتزمين بـ«القوانين والأنظمة». بدوره، يرى عروة أنه «بالطبع سيخرجون بوجود مؤسسة عسكرية وطنيّة، يشترك في قيادتها ضبّاط من الجيش النظامي والحرّ، ستسهل مهمة طرد الأجانب من جميع الأطراف سواءً التنظيمات التابعة للقاعدة أو التابعة لحزب الله».

استمرت المعارضة بمحاولاتها لتحقيق أهدافها، وخصوصاً هدفها الرئيسي بإسقاط النظام، لكنّ «الثورة» لم تحقّق كلّ أهدافها. يعتبر غسان أنّه في ظلّ الحرب لم يتحقّق «الكثير ممّا كنّا نطمح» إلى تحقيقه على صعيد «بناء الدولة». ويبيّن أنّ «أهمّ ما تحقّق لي وبالنسبة لجميع السوريين هو أنّنا بدأنا العمل في الشأن العام، وأصبحنا مساهمين وبفعالية بحاضر وبمستقبل سوريا». ويؤكّد عروة أنّ «حرية التعبير هي الباب الأول لجميع الحريّات»، ويقول لـ«السفير»، «لولا الثورة لما كنتُ أُصرّح لك برأيي الآن بكلّ حريّة». بينما تعتقد سيلفا أن «قد لا يشهد جيلنا نتائج الثورة، لكنّها أعطتني الأمل بأن المستقبل، مهما كان قاسياً، سيكون أفضل من حالة الموت التي عاشتها سوريا لخمسين عاماً».

الموت والدمار سمات لمرحلة ممتدّة منذ ثلاث سنوات. يرى بعض معارضي النظام أنّ الأمر كان متوقعاً لكنّهم يبرّرونه في سبيل الخلاص من «النظام». تقول سيلفا: «من يعرف القبضة الأمنية كان له أن يتصور أن هذا القيد ما كان لينكسر إلا بهذه الشاكلة». ويحمّل غسان كلّ المسؤولية عن آثار الأزمة للسلطات السورية، قائلاً: «كنا نتوقع أنّ هذه الطغمة الحاكمة ستفعل ما بوسعها من أجل بقائها في السلطة». ويشير عروة إلى أنّ الأمر كان «متوقّعاً» بالنسبة له، لكنه لم يكن «يتمنّاه»، معلّلاً تصاعد العنف بقوله: «لا شكّ في أنّ نظاماً متجذراً لأكثر من أربعين عاماً في الحكم لن يكون استئصاله سهلاً». ويحمّل معظم المعارضين المسؤولية للنظام. يشرح عروة أنّ «النظام هو المسؤول لأنّه صاحب القرار»، موضحا أن «الثورة تمرّد شعبيّ لا قادة له، ولهذا تتّسم بالعشوائيّة والفوضويّة». وبينما يشدّد غسان على أنّ «لا دور للثورة والثوار في تدمير شبر واحد»، ترى سيلفا أنّ «المعارضة السياسية بكل أطيافها شريكة بالتأكيد في ما وصلنا اليه، وهم يمنحون النظام عمراً فوق عمره المفترض». وعلى الرغم من عمليات التفجير التي تبنّتها المعارضة، لا يزال مؤيّدوّ «الثّورة» يصوّرونها بريئة، فتقول سيلفا «الثورة هي من حررتنا، وهي بريئة من كلّ الأفعال السيئة التي يمارسها البعض باسمها». ويعلن عروة «لا أنكر الأخطاء التي حصلت، وما زالت»، متسائلاً: «كيف لنا أن نقوم بثورةٍ مدنيّة ونحن نجهل أساليب الاحتجاج المدنيّ؟».

وعن استمرارية «الثورة»، يقول غسان إنّ «الثورة مستمرّة إلى حين نضوج بديل يساعدنا على وقف الحرب والتخلّص من النظام»، مؤكداً أنّ «الثوّار خرجوا لإسقاط النظام كخطوة أولى على طريق بناء الدولة التي نحلم بها». بدوره، يؤكد عروة على استمرارية «الثورة»، ويقول لـ«السفير»، «لم أؤيد الثورة المسلحة يوماً، وصمتي عن مجابهتها فهمٌ لطبيعة التطوّر الحاصل، وإدراك أن تسلّحها هو ما سيعيدها لسلميّتها مستقبلاً». ويشدّد على أنّ الحلّ السياسي هو الأفضل لمستقبل سوريا وشعبها، معبّراً عن عدم ثقته بالنظام والمعارضة. وفي حين يتوافق غسان وعروة على توصيف ما يجري في سوريا بـ«ثورة»، تخالفهما سيلفا وتقول إنّ «ما نعيشه اليوم ليس ثورة مسلحة بل مصالح أقطاب دولية تتصارع على الأرض السورية، وإسقاط النظام سواء عسكرياً أو سياسياً لم يعد بأيدي السوريّين». لكنّها تؤكد على دعمها للسوريين الذين يطالبون بالحريّة.

تدخل الأزمة التي طالت بآثارها جميع السوريين عامها الرابع. ما زال معظم معارضي السلطات السورية مصرّين على استمراريتها إلّا في حالة تسليم السلطات السورية الحكم لهيئة انتقالية بصلاحيات كاملة، في الوقت الذي تعمل فيه السلطات السورية على استعادة المناطق التي وقعت خارج سلطتها، سواء عن طريق «المصالحات» كما حدث في العديد من المناطق مؤخّراً، أو عن طريق العمليّات العسكريّة كما حدث في يبرود ورأس العين في شمال العاصمة دمشق.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى