بعد عام
سناء الجاك
بعد عام على اندلاع الثورة في سوريا نسمع من يقول إن أيام الأسد معدودة، أو إن النظام قهر الارهاب واقتحم بابا عمرو كما اقتحم الإمام علي باب خيبر. بين القولين يغرق الشعب السوري في دماء شبابه وشيبه ونسائه وأطفاله. على ضفتي القول، يغرف المحللون من الاجتهادات ما تشمئز منه النفس لدى ملامسة العين مشهد الجثامين المسجّاة على اسم مجازر يتشاطر البعض برمي مسؤوليتها على بعبع أو فزاعة.
الصحيح أن الارقام لم تعد ينفع، لا لجهة أيام الأسد ولا لجهة أعداد الضحايا والمفقودين والمعتقلين على يد قوات الأسد وشبّيحته.
الصحيح أيضاً أن سوريا ليست حتى تاريخه على رأس قائمة الأولويات الدولية مع ولايات متحدة تتوزع مروحة اهتماماتها وفق همومها الاقتصادية وتلفّ الى الصين وأفغانستان وباكستان وتربط بالشرق الأقصى ملف إيران، ما يعني أن الشرق الأوسط لا يزال عندها في خبر كان. كما لا ينفع أيضاً الأمل في رصد الأفق لعل بوادر تغيير في موقفي روسيا والصين تظهر للعين العربية. لا نعرف سبب إصرار العرب ومصدر تفاؤل بعضهم إزاء حصول هذا التغيير انطلاقاً من فظاعة الثمن الذي يسدده المواطنون المدنيون يومياً بالدم المسفوك، وعن أيّ أفق يتكلم المفائلون، في حين تعلن روسيا أنها، فقط في الحال السورية، ضد الاخراج التي يقوّض برستيج النظام العالمي المنخور في أرض فلسطين. لا عجب إن كانت تبحث تحت الطاولة عن الثمن المناسب، فهي لن تبيع بالرخيص موقفاً يحفظ لها نفوذها ويعزز وضعها على خريطتنا الاقليمية ويعوض خسائرها في ليبيا وغيرها. آخرها كان توقيعها مع إسرائيل اتفاقاً لتأطير التعاون العسكري، ما يعتبر أحدث مؤشر إلى تدعيم العلاقات بين الدولتين، متيحاً للجيش الروسي شراء أسلحة وتكنولوجيا عسكرية إسرائيلية متقدمة لا تعرف اين ستستخدمها ولمن ستجيّر مفاعيلها.
الواقع الحالي يشير الى ان الشغل ماشي داخل الارض السورية وخارجها لتمكين نظام الأسد من متابعة إبادته الشعب وقمعه كل صوت يحتج ويرفض.
أما الجبهة الممانعة لسقوط الاسد فتجد من يدعم أساساتها من إيران الى إسرائيل فروسيا فالصين، في حين يبدو هزيلاً الاستنكار الدولي للمجازر التي تلت إقتحام بابا عمرو في حمص بعد حرب الإبادة بالراجمات والطائرات، لتتواصل عملية تنظيف المناطق السورية من محاولات التحرير التي يدفع ثمنها الثوار من لحمهم وأرواحهم وأرواح كل من يتضامن معهم.
هشاشة الاستنكار العقيم تكشفها ركاكة ادعاءات النظام بوجود إرهابيين، سواء في بابا عمرو أو في غيره، وتصدّقها دوائر الادارة الاميركية وتؤكدها المصادر الروسية. لكن لو توافرت مقومات الارهاب في هذا الحي في حمص، لما رفضت قوات الأسد دخول منظمة الصليب الاحمر ومسؤولي حقوق الانسان وممثلي الامم المتحدة قبل التنظيف. هي تريد تنظيف جرائمها وليس “جرائم الارهابيين” بالتأكيد، فهي لم تترك بشراً يروون لمسؤولة الشؤون الانسانية في الامم المتحدة فاليري أموس لماذا تحولت بيوتهم وشوارعهم قاعاً صفصفاً.
اليوم، عندما يقصف الاسد درعا بالدبابات، ومعها إدلب وغيرها، تبقى قلوب المسؤولين في المجتمع الدولي عمياء عن الجهة التي تتم إبادتها، ويبقى حوار الطرشان هو السائد. اليوم تحديداً، وبعد مرور عام على نزع اظفار أطفال كتبوا على الجدران “جاييك الدور يا دكتور”، في حين كان نظام الأسد يصر على نفي إمكان انتقال عدوى الاحتجاجات، استمد هذا النظام قوة من “التخاذل” الدولي و”تشرذم” المعارضة التي تفكر في حصص موسم القطاف قبل اسقاط النظام. لكن لا “تخاذل” المجتمع الدولي ولا “تشرذم” المعارضة ولا محاولات تحوير مسيرة الثورات ولا الجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها قوات الاسد، ستعيد التاريخ الى الوراء. قد تخفت وتيرة الثوار تحت الحمم وبفعل سفك الدماء، لكن نارها لن تخبو. والورقة التي يحسب كل مستفيد ان في إمكانه استثمارها، ستحرقه حتماً قبل أن ينتشي بدماء ضحاياه.
النهار