إياد الجعفريصفحات العالم

بعد غياب الأسد/ إياد الجعفري

 

 

من المُرتقب يوم الخميس القادم، 17 تموز الجاري، أن يؤدي الرئيس السوري بشار الأسد “القسم الدستوري” كرئيس لـ “سوريا” في ولاية رئاسية ثالثة تستمر حتى منتصف العام 2021. في معرِض هذه المناسبة، يمكن طرح التساؤل التالي: ماذا لو غاب بشار الأسد فجأة عن سدة الحكم في سوريا، إثر اغتيال أو موت مفاجئ؟

تساؤل لم يسبق أن حظي بمعالجة جدية هادئة تتناول تركيبة المنظومة السلطوية الحاكمة بدمشق، بصورة تحليلية تسمح بتقدير مصيرها في حال فراغ سدة الرئاسة بصورة مفاجئة.

بهذا الصدد، قد نجد محاولة، ملفتة للاهتمام، في كتاب “الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي”، للأكاديمية المصرية، نيفين مسعد، والذي يعود تاريخه إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي. حيث تُجرّد مسعد منظومة الحكم السورية، التي أسسها حافظ الأسد، على شكل هرم، تقبع في قمته العائلة، ومن ثم القبيلة، ومن ثم الطائفة، ومن ثم باقي شرائح المجتمع السوري.

وفي تحليلٍ مُستمدٍ من كتاب نيفين مسعد آنف الذكر، يمكن الاطمئنان إلى مستويات الهرم السلطوي في سوريا على الشكل الآتي:

العائلة أولاً، نقصد آل الأسد، وتحديداً بشار وشقيقه، اللذين يشكلان أصحاب أقوى نفوذ في هذه المنظومة. يليهما في المستوى الثاني العائلات المُتصاهرة مع آل الأسد، والتي تحظى بقرابة مباشرة معهم، في مقدمتهم آل مخلوف وآل شاليش. ويُعتبر رموز هاتين العائلتين من أقوى أصحاب النفوذ في سوريا. المستويان، الأول والثاني، نقصد آل الأسد، ومن ثم آل مخلوف وآل شاليش، يقبضان على كل المستويات الأدنى بصورة شديدة التعقيد، وشديدة المتانة، بتفريعات عسكرية وأمنية ومالية ومجتمعية، تصل إلى حالة أشبه بـ “الأخطبوط”.

تقل المستويات التالية للهرم السلطوي في سوريا أهميةً عن المستويين الأول والثاني، حيث تأتي مراكز الثقل الأمنية والعسكرية التي يحتلها رجال، يغلب عليهم الانتماء الطائفي القريب من آل الأسد. لكن هذه المستويات، على نفوذها الوازن في منظومة الأسد السلطوية، إلا أن معظم شخصياتها تم تبديلهم في أزمات عديدة عصفت بحكم آل الأسد خلال العقود الأربعة الماضية، دون أن يهدد هذا التبديل استمرارية منظومة الأسد السلطوية. وأبرز الأمثلة على ذلك، اغتيال رموز “خلية الأزمة” في مكتب الأمن القومي بدمشق في صيف العام 2012، والذي طال شخصيات وازنة للغاية في مؤسستي الأمن والجيش، على رأسهم آصف شوكت صهر الأسد. وبغض النظر عن الطرف الذي وقف وراء عملية الاغتيال تلك، فإن هذه الهزة التي طالت منظومة الأسد السلطوية، لم تُسهم، على ضخامتها، في فرط عقد هذه المنظومة، بل ربما، حسب معظم المراقبين، شدت أوتارها أكثر.

قد يحمل سيناريو غياب بشار الأسد المُفاجئ تساؤلاً مُلحاً حول أهليّة شقيقه، ماهر، في أن يكون الضابط لمنظومة آل الأسد السلطوية. وهو تساؤل مبرر، نظراً لخلفية ماهر العسكرية البحتة، وسمعته التي تُوحي بشراسته حيال منافسيه من داخل الحلقة الضيقة للحكم.

في حال عجز ماهر عن ضبط منظومة الأسد السلطوية، فإن الأرجح أن هذه المنظومة ستنهار، كما انهارت منظومة صدام حسين السلطوية لحظة اقتحام الأمريكيين للعاصمة العراقية بغداد عام 2003.

انهيار مُرتقب، سيكون شاقولياً وأفقياً على حد سواء، يطرح سيناريو مُحتمل هو الآخر، أن تحاول إيران، عبر مقاتلي حزب الله تحديداً، ملء فراغ القوة الذي سينتج عن انهيار منظومتي الأمن والجيش الخاضعتين لآل الأسد.

بكل الأحوال، وخلافاً لتوقعات و”تهليلات” المناوئين لبشار الأسد، مع كل شائعة تتحدث عن اغتياله، من غير المُؤكد أن يؤدي اغتياله إلى حلّ العقدة السورية، لكنه دون شك سينقلها نقلة نوعية بحيث يتغير شكل الصراع، وأطرافه، وبحيث تتعزز الصبغة الطائفية لهذا الصراع أكثر.

يمنع السيناريو الأخير، حالة واحدة، أن يؤدي غياب بشار الأسد المفاجئ إلى انهيار سريع، يتمكن مقاتلو فصائل المعارضة المسلحة من ملئه بسرعة في دمشق تحديداً، بصورة تُربك مقاتلي حزب الله وسواهم، وتسبق أي تحرك مدروس من جانبهم. وهو أمر يتطلب خطة مُحكمة يكون التخلص من بشار الأسد أحد عناصرها، وتوحُدُ فصائل المعارضة، على الأقل الموجودة في حزام العاصمة، واحداً من أساساتها.

باستثناء ذلك، يبدو أن غياب بشار الأسد المُفاجئ لن يؤدي إلا إلى المزيد من تطييف الصراع الدامي في سوريا، ومسح آخر معالم صبغته الوطنية، باتجاه “الأقلمة”.

بطبيعة الحال، لا يمكن الجزم بما سبق، لكن لا يبدو أن هناك بديلاً لحالة انتقال آمنة للسلطة، بموافقة وضمان بشار الأسد نفسه، إلا المزيد من التعقيد للمشهد الميداني السوري، وتداعياته الإقليمية. ولا يبدو أن غياب بشار الأسد كفيلٌ وحده بحلّ العقدة السورية المُتأزمة. ولا ينفي ما سبق، مسؤولية بشار الأسد، شخصاً، عن تشابك العقدة السورية وتفاقم تداعياتها المحلية والإقليمية.

 

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى