فاروق حجّي مصطفى

بعد مؤتمر”أصدقاء الشعب السوري”: ماذا بعد؟


* فاروق حجي مصطفى

لا يبدو ما تمخض من مؤتمر”أصدقاء الشعب السوري” الذي انعقد أعماله في تونس (24) شباط أمراً جديداً على الشعب السوري، فما قرأناه في البيان الختامي للمؤتمر سبق، وقرأناه في الصحف وسمعنا من خلال الإعلام المرئي والمسموع. لبّ البيان هو التمسك بالمبادرة العربيّة من قبل المؤتمرين..!

أما فعلياً فانّ مؤتمر أصدقاء الشعب السوري هو العمل على خلق – كما أشارت راغدة درغام (صحافيّة من جريدة الحياة ) – إستراتيجية تنسيق وتوزيع الأدوار لتنفيذ ما يتفق عليه المشاركون وهو: نزع الشرعية عن نظام بشار الأسد ثنائياً، ورفضه إقليمياً، وملاحقته دولياً … هذه الأهداف تتطلب إستراتيجيّة تنفيذيّة وليس فقط سياسيّة مما يعني أن تسليح المعارضة سيكون في صدارة ما يتم توزيع الأدوار في شأنه..

وهذا تنبأ صار منطقيّاً أكثر بعد أن تعزز التحالف الخليجي – الغربي الذي اتخذ قرار لا رجعة فيه وهو عدم ترك الملف السوري لروسيا.

ولا نستغرب أن قدر السوريين أن يكونوا الشغل الشاغل لدى السياسات الإقليمية والدوليّة، ويبدو أنه كلما تأخر النظام في الاعتراف بالوقائع التي فرضتها الانتفاضة أو الثورة،  كلما انزلق نحو سياسات وآفاق أشد قسوة من كل ما سبقتها.

 ثمّة من يرى بأنه لو قبل النظام بما تريده المعارضة في بداية الأحداث لما وصلنا  إلى حالة المزاد العلنيّ و الصراع الدوليّ على سوريا، كما نحن عليه اليوم ، لو أقدم النظام على البدء بالإصلاح السياسيّ قبل الحديث عن أمر آخر، وعزف عن اعتماده المفرط على الحلول الأمنيّة،  لم نكن لنعيش المآسي الأليمة مثلما نعيشها اليوم، وحتى قبل أشهر قليلة، لو فكرّ النظام قليلاً واعتمد قبول المبادرة العربيّة الأولى بتواضع وقيّمها كصيغة للخروج من الأزمة، لكانت سوريا  الآن تعيش في حالة من العمليّة السياسيّة والديمقراطيّة المتقدمة، ولكانت قد قطعت الطريق أمام التدخل الدوليّ سواء كان إنسانياً  أو عسكرياً، ولكنّا تركنا المجتمع الدولي للتنافس على مناطق النفوذ الأخرى، وتالياً لم تكن قضيتنا (قضيّة الشعب والثورة) أمام المجتمع الدوليّ وصراعاته على مناطق  النفوذ..

النظام هو من يتحمّل مسؤوليّة الأزمة المتفاقمة. حيث كان بوسعه منع البلد من أي انزلاق، لكن، وبرغم من ذلك، فانّ هذا النظام الذي ما انفك ويعاني من الفلتان وعدم السيطرة على البلد ما زال يتكبّر على الاعتراف  بالأزمة الوطنيّة المتفاقمة، فالغطاء الدوليّ (إنسانيا) أرحم من التدخل العسكري، والخيار الوطنيّ للحلّ كان أفضل من كل الخيارات إلا أن النظام كان دائماً يريد أن يحلّ الأزمة وفق منطقه، وبالتشاور على من يدعيّ أنه معارضة مع انّه  لا يحلّ ولا يربط في الشارع المنتفض، بمعنى آخر ، أراد النظام أن يقدم صورة بديلة للمعارضة الحقّيقية، وجلب معارضة على مقاسه و متطابقة مع أمزجته، حتى تكون قادرة على الحفاظ على أجندة النظام، وعوامله، فكان  النظام يقفز على المثقفين والنخبة، ويتجه لتجميل  صورة العشيرة بعد أكثر من 49 عاما على  “الثورة” ظناً منه انّه ربما يكون الحلّ بيد شيوخ العشائر، تماماً مثلما فعل عندما سد أذنيه في فترة “ربيع دمشق” و واجه خطاب “إعلان دمشق” بكافة الوسائل، ولم يقف في حدود المواجهة النظريّة بل تجاوزها إلى المواجهة العملية و زج قيادة ” إعلان دمشق” في السجن، وسرعان ما صار هذا الخطاب التحدوي عبئاً على السوريين جميعاً، الأمر الذي أوصل البلاد والعباد إلى هذه المزالق..

دون شك، لم تكن روسيا والصين حريصتان على سوريا ونظامها وشعبها بقدر حرصهما على أنفسهما، وعلى مناطق نفوذهما دون النظر إلى أي اعتبار آخر، من الواضح أنهما كانتا تبحثان عن تجديد مركز تواجدهما في سوريا، وتالياً في الشرق الأوسط. وإلا لما كنّا أمام واقع جديد.

وفي هذه الحال، ليس من المبرر أن يفرح النظام كثيراً  للموقف الذي اتخذه الروس والصينيين في مجلس الأمن، خصوصاً وانّ الفيتو الروسي الصيني، وما أن اعتقد النظام بانّ الفيتو الروسي يحمي البلاد من التدخل العسكري ومن الانقسام، حتى انتقلت البلاد من حالة التعريب والتدويل الجزئي إلى حالة التدويل بشكل كامل لأن العالم غير عاجز عن البحث عن الخطط والوسائل العديدة للضغط على النظام، وفات زمن ليقول العالم للسوريين :”حلّو مشاكلكم بأنفسكم “. لعل عشرات التجارب تؤكد أن المجتمع الدولي مالِ باتجاه الثورة السورية، فإذا لم يكن من منطلق المسؤوليّة الدولية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي فإن منطق علم الاجتماع السياسيّ يقول أن العالم (طبيعياً) يقف إلى جانب الثورات وليس إلى جانب  الأنظمة مهما تكن صفات هذه الأنظمة..!

هناك سبل وطرق شتى لإيجاد الحلول من قبل المجتمع الدوليّ للسوريين، ولعل عقد “مؤتمر أصدقاء للشعب السوريّ” أهم رسالة بعثها المجتمع الدولي للنظام السوريّ والروسي مفادها: أننا لن نتخلى عن مآسي الشعب السوري.

فإذا كان الفيتو الروسي الصيني  خطوة إلى الأمام، بالنسبة للنظام، فانّه خطوتين إلى الأمام (وليس الوراء، بالنسبة للثورة ومكوناتها)!

يقول المفكر اللبناني فواز طرابلسي في إحدى مقالاته: تستطيع القوى الكبرى أن تحوك تسوية فوقية، ولكنها لن تستطيع وقف العملية الجذرية لتغيير النظام في سوريا. ليس فقط لعجزه عن فهم النظام أزمته وتصوّر إمكان الترقيع أو حتى التغيير من داخله، وإنما أيضا لرفضه الاعتراف بأن مطالب ذلك القسط من شعبه في الشوارع والساحات يؤشر إلى ما يمكن أن تكونه سوريا الجديدة، سوريا الشباب، أي سوريا الاستقلال والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

والحال، فإذا كان الفيتو الروسي الصيني أوقع بلادنا وسياساته في مزالق الخطرة، فانّ الآتِ أكثر وطأة من كل ما سبق، وفي الوقت الذي كنّا نتخوّف من التدخل العسكري صرنا الآن أمام واقع جدا خطر. صرنا الآن نخاف من وجودنا كمجتمع سياسيّ، ونخاف على استقلاليّة قرارنا، وعلى  التدابير التي ستتخذ من قبل شعبنا وعلى شعبنا..، لذلك يعتقد الكثيرون أن مؤتمر”أصدقاء الشعب السوريّ”  في تونس “سيكون حاسماً لجهة تنفيذ العزم على إزالة النظام في دمشق عبر الضغط على الأرض، وليس فقط عبر بناء الزخم الدولي ليكون مؤتمر تونس الممر إلى مجلس الأمن” على حد تعبير راغدة درغام.

إن الروس والصين بعدم قدرتهما على إدراك عواقب سياساتهم تجاه ثورات المنطقة العربيّة، أوقعتنا في فخ الصراعات، في الوقت الذي كانتا تطالبان بالتفكير والنقاش العميق مع المجتمع الدوليّ حول كيفية  تكوين المبادرة الأخيرة التي عرضت على مجلس الأمن، وكيفيّة توظيفها وتحويلها إلى صيغة تخلص شعبنا  ومجتمعاتنا السياسيّة من تدهور الأوضاع كانتا توقعان بلادنا في طريق يُصعب معه التنبؤ في مصيرنا..!؟.

المقال منشور بالتعاون مع مشروع منبر الحرية

 www.minbaralhurriyya.org

*كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى