صفحات العالم

بعيداً من دمشق، “كردستان السورية” شبه المستقلة


في المناطق الكردية السورية، يرفرف العلم الكردي، بألوانه الثلاثة، فوق المباني الرسمية؛ أو بالأحرى ترفرف مختلف الأعلام الكردية التي تتنوع حسب المدن والقرى والأحياء، مجسدة بذلك الانقسامات السياسية التي تشغل كرد سوريا، القاطنين في شمال سوريا. لكن العلَم المهيمن هو علَم حزب الاتحاد الديموقراطي القريب من العمال الكردستاني التركي، المعروف بخوضه حرب عصابات طويلة مع النظام التركي. ويعرف عن حزب الاتحاد الديموقراطي انه أخذ في بداية الثورة السورية موقف الترقب، أو حتى التعاون مع النظام.

هناك علَم كردي آخر يرفرف أيضاً، يتوسط ألوانه الثلاثة شمسٌ ساطعة؛ انه علم كردستان العراق، المستقل عن حكومة بغداد المركزية، يتزعمها رئيسها “الإقليمي” مسعود برزاني، رمز النضال من أجل الاستقلال الكردي ورئيس الحزب الديموقراطي الكردي، الذي ينعم بنفوذ واسع في كردستان سوريا. يصف أحد المثقفين العائدين من المنطقة الوضع الجديد: “ليست هي الحرية الحقيقية حتى الآن؛ إذ ما زالت تتواجد بعض القوى الأمنية التابعة للنظام السوري في بعض المدن، ولكن عناصرها ملتزمون البقاء في ثكناتهم. أما الحركات الكردية فهي التي تقبض على السلطة الآن”.

الأقلية الكردية السورية، البالغة نسبتها العشرة بالمئة تعرضت للتمييز لزمن طويل. مئات الآلاف من الكرد حرمهم النظام البعثي منذ سنوات صعوده الأولى من الهوية السورية، فعاشوا داخل بلادهم من دون أوراق ثبوتية. هذا لم يمنع دمشق من دعم متمردي الحزب العمالي الكردستاني لسنوات، قبل ان تطرد قائده عبد الله اوجلان عام 1998 (…).

بعد ستة عشر شهراً من بدء الانتفاضة السورية، ها هو حلم الكيان الكردي المستقل يتحقق؛ ومن دون اطلاق نار، تقريباً. يقول ناشط كردي سوري في معرض شرحه للحذر الكردي خلال الفترة الاولى من الثورة السورية: “كان يصعب على الكرد القتال في صفوف تمرد تدعمه كل من تركيا والعربية السعودية وقطر”. فضلا عن ذلك فان المجلس الوطني السوري المعارض لبشار الأسد بقي على درجة عالية من الحذر تجاه أية فكرة تعطي الكرد استقلالهم، على الرغم ان رئيس هذا المجلس، عبد الباسط سيدا، هو كردي. ودمشق من ناحية اخرى، التي تحتاج إلى قواتها من أجل استعادة مدينة حلب، سحبت هذه القوات من الشمال الكردستاني.

الموظفون الكرد في الدوائر الرسمية بقوا في اماكنهم. وتجنبا لفراغ امني يتسبّب به انسحاب هذه القوات، شرعت المنظمات المختلفة في إقامة بنى إدارية موازية في النقاط اللازمة. وأمام خطر اقتتال كردي- كردي محتمل، بادر مسعود برزاني منذ أيام إلى جمع حزب الاتحاد الديموقراطي والمجلس الكردي السوري في أربيل، من أجل ان يفرض عليهم صيغة لسلطة سياسية وأمنية مشتركة. يقول أحد المقربين من الملف: “كل الأطراف وافقت على صيغة البرزاني: حزب الاتحاد الديموقراطي وافق من أجل اكتساب شرعية، ومن أجل تمويه مواقفه الملتبسة تجاه النظام السوري. أما الحزب الديموقراطي الكردي، فقد وافق على صيغة البرزاني لأنه متأكد من الفوز في أول انتخابات حرة في منطقة كردستان”.

ولكن كلا القوتان عازمتان على الاحتفاظ بمناطق نفوذهما. فقد تدفّق مئات المقاتلين التابعين للحزب الديموقراطي الكردستاني، وعززوا بذلك قوات حزب الاتحاد الديموقراطي التي تسيطر على منطقة افرين، النقطة الاستراتيجية الواقعة بين حلب والحدود التركية. وللحزب الديموقراطي الكردي نقاط تمركز قوية، في القامشلي خصوصا، وهي المدينة الكردية السورية الرئيسية التي تضم ربع مليون نسمة. وتقول معلومات ان قوات هذا الحزب تغذت بمقاتلي “البشمركة” الكرد العراقيين.

الخطران الرئيسيان اللذان يحدقان بكردستان سوريا هما الاقتتال الأخوي وهجوم أبناء القبائل العربية المقيمة في جيوب بعينها؛ كما في منطقة دريك، في الأراضي الكردية، حيث تتركز الموارد النفطية الأساسية لسوريا.

النظام البعثي الآيل الى السقوط أراد ان يخلق تلك المنطقة المستقلة الكردية في الشمال بغرض تعقيد المعطيات الإقليمية وخلق المصاعب لتركيا، الداعمة للثورة، والتي أصبحت قاعدة خلفية لتموين الجيش السوري الحر. هناك 15 مليون كردياً في تركيا، يعيش معظمهم في مناطق قريبة من سوريا. “الحرب القذرة” التي خيضت بين الجيش التركي وقوات حزب العمال الكردستاني خلفت وراءها 40 ألف قتيل منذ العام 1984. وعلى الرغم من ان حزب الاتحاد الديموقراطي يتجنب التفوه بكلمة “استقلال”، إلا أن علاقاته مع حزب العمال الكردستاني تدفع بأنقرة إلى رفع صوتها. أردوغان منذ ايام قليلة أعلن: “لنا حق طبيعي بالتدخل في شمال سوريا”.

مارك سيمو

صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية (27 تموز 2012)

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى