بكر صدقي:”القرار في سوريا تحتكره الأسرة الحاكمة والأجهزة الأمنية”
بكر: الرئيس هو ناطق باسم خلاصة سياسة النواة الصلبة للسلطة
في مقابلة مع دويتشه فيله يرجع الصحافي السوري بكر صدقي سبب تماسك نظام الأسد حتى الآن إلى سيطرة الأسرة الحاكمة والأجهزة الأمنية، لكنه يعتقد أن نهاية هذا النظام، الذي يسعى لإخماد التمرد الشعبي “بأي ثمن”، باتت قريبة.
دويتشه فيله: رغم الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة على النظام السوري، إلا أنه مستمر في التصدي بعنف للاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ ما يقارب الشهرين. ما الذي يدفع – باعتقادكم – النظام السوري إلى الاستمرار في انتهاج هذه السياسة؟
بكر صدقي: من هذا السلوك القمعي تجاه الاحتجاجات يبدو أن النظام يراهن على كسر شوكة وإرادة الشعب السوري، ويبدو له أن هذا هو الخيار الوحيد، وأنه لا يوجد لديه خطة أخرى لمواجهة احتمال آخر، فإما أن ينجح وإما أن ينجح. النظام يراهن على ما سبق وحدث في الثمانينات في سوريا، أثناء تمرد حركة الإخوان المسلمين، إذ قام والد الرئيس الحالي، الرئيس الراحل حافظ الأسد، بقمع حركة التمرد وكلف سوريا أكثر من خمسين ألف قتيل في مدينة حماة وحدها، وامتلأت السجون والمنافي بالسوريين الهاربين. يبدو أن بشار الأسد لا يعرف درساً غيره ويريد تكرار ما فعله والده في درعا وبانياس وحمص وغيرها من المدن.
كيف تفسرون إذاً قرار الرئيس الأسد بإلغاء قانون الطوارئ الذي كان سارياً منذ نصف قرن تقريباً؟
رفع حالة الطوارئ لم يعن عملياً أي تغيير في نمط الحكم، لأن قانون الطوارئ نفسه لا يسمح لقوات الأمن بقتل المتظاهرين العزّل السلميين، بل يقول باعتقالهم وتقديمهم لمحاكمات عسكرية أو مدنية. أما القتل فكان موجوداً قبل إلغاء قانون الطوارئ واستمر بعده، أي أن رفع حالة الطوارئ كان للإيحاء بأن النظام بصدد إجراء إصلاحات، وبأنه يستجيب لبعض المطالب الشعبية. لكن واقع الحال ليس كذلك، فالأجهزة الأمنية هي التي تحكم البلاد عملياً، وكأن المستوى السياسي في البلاد غائباً، وبالتالي فإن أجهزة الأمن المتضخمة – يوجد منها حوالي 13 أو 14 فرعاً مختلفاً – تحكم البلاد وترسم سياسته. لذلك لا معنى لرفع حالة الطوارئ أو أي إجراءات شكلية من هذا النوع. أيضاً تم سنّ قانون يمنع التظاهر عملياً، إلا إذا كانت مسيرة موالية للرئيس تسيّرها الأجهزة الأمنية بنفسها.
على ذكر الأجهزة الأمنية، يعتقد مراقبون للشأن السوري بوجود أجنحة مختلفة داخل النظام السوري تتصارع فيما بينها على السلطة، سواء الدائرة الصغيرة المحيطة بالرئيس الأسد، أو الأجهزة الأمنية سالفة الذكر، أو قيادات حزب البعث. من تعتقدون أنه يسيطر على البلاد الآن، وخصوصاً في هذه الفترة؟
“النظام يسعى إلى اخماد التمرد بأي ثمن”
أعتقد أن الحديث عن وجود أجنحة أو تيارات داخل السلطة حديث خاطئ يقوم على تكهنات ورغبات بعض المحللين ومن يتمنون ذلك. أي سلطة تتعرض لتمرد شعبي يتمنى المحكومون فيها أن تكون هناك أجنحة وخيارات متعددة للسلطة حتى تسهل عملية التغيير. هذا ينطلق من رغبات، أما واقع الحال فهو أنه ومع دخول التمرد الشعبي في سوريا شهره الثالث نرى أن النظام متماسك تماماً ويشكل كتلة واحدة، ولا توجد داخله أجنحة، وإنما عناصر قوة متعددة يعتمد عليها. عناصر القوة هذه تتكون من الأسرة الحاكمة أولاً، والناطق الرسمي باسمها هو الرئيس. لا أقول أن الرئيس هو الحاكم الأول والأخير، بقدر ما هو ناطق باسم خلاصة سياسة النواة الصلبة للسلطة. عائلة الرئيس وبعض العائلات القريبة منه كعائلة مخلوف وعائلة شاليش يسيطرون على القرار السياسي والاقتصادي وعلى دائرة فساد واسعة. ثانياً هناك الأجهزة الأمنية والمخابرات وهي فاعلة جداً، وكما قلت آنفاً فإن هذه الأجهزة ترسم سياسة البلد، وتضع خطط مواجهة التمرد الشعبي للقضاء عليه بأي ثمن، حتى لو كلف ذلك آلاف القتلى. منذ شهرين وهم مستمرون في ذلك رغم الإيحاءات بإجراء إصلاحات لا تعدو كونها محاولة لكسب الوقت من جهة، ولشق صفوف الخصم الذي هو الشعب. إنهم يريدون للبعض أن يقولوا بأنهم مع إصلاحات يقودها الرئيس، في حين يرفض جزء آخر من الشعب ويطالب بتغيير النظام بشكل كامل. وهذا يضعف الشعب.
وماذا عن الجيش السوري؟ ما هو دوره في منظومة العلاقات هذه؟
الجيش لا تبدو عليه أي علامات الاستقلالية عن النظام كما رأينا في مصر أو تونس، التي استطاع فيها الجيش أن يعقد صفقة مع الولايات المتحدة لتنحية العائلة الحاكمة وقيادة المرحلة الانتقالية، في حين أنه في سوريا لا توجد هناك قيادات مستقلة عن النظام. وللأسف الشديد تم إقحام الجيش في قمع المظاهرات، وهذه ظاهرة خطيرة من شأنها أن تلغي أي دور وطني للجيش وأي أمل في قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا.
هناك أنباء عن بعض الاستقالات في صفوف حزب البعث. ما هي دلالات هذه الاستقالات برأيكم؟
هذه الاستقالات مهمة من ناحية رمزية، فهي تعني أن حزب البعث المحسوب على أنه حزب السلطة لم يقتنع بالرواية الرسمية حول عصابات مسلحة أو إرهابية أو سلفية توجه الحركة الاحتجاجية. البعثيون الذين استقالوا يقدر عددهم بالمئات، وهم يرون حقيقة الأمر، وأن هناك قمع وحشي للمتظاهرين العزّل، ولذلك لم يحتملوا ذلك وشعروا بالإحراج. هذه الاستقالات جاءت مناطقية، حيث بدأت في درعا، التي استقال فيها 200 عضو من حزب البعث، وذلك بسبب قوة الروابط العشائرية في المدينة. المعنى الرمزي للاستقالات مهم، لأنه يشير إلى تشقق طفيف، وإن كان حزب البعث لا يحكم فعلياً، فأنا أشرت سابقاً إلى العائلة والأجهزة الأمنية دون ذكر حزب البعث، لأنه مجرد واجهة شكلية يستمد منها النظام شرعية ما. المائتا عضو لا يعنون شيئاً، وحتى قيادة الحزب لا تعني شيئاً كمركز قوة.
هناك تحليلات بأن النظام السوري يعوّل على عودة الغرب للتعامل معه عاجلاً أم آجلاً بناء على تجارب سابقة، وبسبب اعتقاد النظام بأنه يشكل عامل استقرار في المنطقة بفعل موقع سوريا الاستراتيجي، خاصة قربها من إسرائيل. ما هي رؤيتكم لهذا التحليل؟
الجيش السوري فقد الدور الوطني الذي كان يمكن أن يلعبه في قيادة مرحلة انتقالية محتملة
أعتقد بأن النظام يراهن إلى حد كبير في هذا الاتجاه. بالطبع هو كان دائماً يثير قلق الغرب والمجتمع الدولي بالحديث عن الأصولية التي تهدد مصالح الغرب في المنطقة، والتي هي – بحسب النظام – البديل الوحيد عنه إذا تغيّب. هذا غير صحيح في سوريا من جهة أولى، ومن جهة ثانية أوغلت يد النظام في الدم السوري، لدرجة أن المجتمع المدني حول العالم بدأ في التأثير على حكومات الدول الغربية التي باتت محرجة أمام شعوبها ولم تعد قادرة على التعامل مع هذا الرئيس، إلا إذا اتخذت قراراً استراتيجياً بأن يقود هو التغيير، أي إلغاء النظام القائم على العائلة وإلغاء قيادته وإعطاء السلطة للشعب بطريقة منظمة. هذا احتمال ضئيل جداً، ورأينا مثال على هذا الاتجاه في تصريحات رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، وهو رجل معروف بنفوذه الاقتصادي وبفساده، لجريدة نيويورك تايمز الأمريكية بأن استقرار إسرائيل من استقرار سوريا، وهو يريد بذلك استفزاز الغرب. هذا ليس صحيحاً، وبالنهاية ستتقدم عملية التغيير وسيتغير النظام ويعود الاستقرار إلى سوريا. الاستقرار ليس حكراً على نظام معين، والغرب يعرف تماماً دور النظام السوري في زعزعة الاستقرار في المنطقة كلها، من خلال دعم حركات مسلحة يصنفها الغرب كإرهابية، مثل حزب الله وحركة حماس، وفي السابق حزب العمال الكردستاني في تركيا. إذاً هو عامل لعدم الاستقرار وليس للاستقرار.
هل تعتقدون أخيراً بأن النظام السوري قابل للإصلاح؟
هذا النظام غير قابل للإصلاح، لأنه لو كان قابلاً للإصلاح لاستبق الاحتجاجات الشعبية حين رأى نظامين عربيين يشبهانه كثيراً يسقطان في تونس ومصر. الشيء الوحيد الذي فعله هو رفع الحظر عن موقع “فيسبوك”، وهو أمر أضحك السوريين والعالم. ثم جاء بعد أسبوعين من الاحتجاجات ليرفع رواتب الموظفين الحكوميين بمقدار 1500 ليرة، أي حوالي 20 يورو، شهرياً. هو يظن بأن الناس ثارت بسبب بضع ليرات إضافية أو بسبب أوضاعها المعيشية. الناس تثور من أجل كرامتها وحريتها المسلوبين منها منذ نحو نصف قرن من حكم حزب البعث، وبالتالي لو أن النظام استشعر الخطر وبدأ بإصلاحات حقيقية، كإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووضع خطة عمل لتغيير النظام السياسي باتجاه ديمقراطي، لكان ربما تجنب حركة شعبية، لكنه لم يفعل، وبعد مرور شهرين ما زال يراهن على كسر إرادة الشعب بالقوة، رغم فشله المتتالي.
أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق
مراجعة: عبده جميل المخلافي
بكر صدقي كاتب وصحفي سوري مقيم في مدينة حلب