بناءالشراكة الوطنية العربية ـ الكردية في سوريا
[ الكتاب: الكرد السوريون والحراك الديموقراطي
[ الكاتب: فاروق حجي مصطفى
[ الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت 2013
كرد سورية هم أول مكون سوري أيد وشارك الحراك الثوري السوري العام الذي انطلقت شرارته في درعا، الذي جاء على اثر عواصف الربيع العربي التي اجتاحت غير عاصمة عربية من تونس وحتى اليمن، وكانوا بهذا التأييد والمشاركة أيضا ينسجمون مع أنفسهم، ذلك أنهم المكون الأكثر اضطهادا من سياسة البعث التي مارست التمييز القومي تجاه الشعب الكردي، والكرد منسجمون مع أنفسهم بسبب أنهم هم الذين أشعلوا انتفاضة آذار 2004 ضد النظام السوري التي راح فيها 50 شهيدا كرديا ، وكانوا بذلك قد مهدوا لإخوتهم السوريين أن يمارسوا مثيل ذلك على نطاق سوريا عموما، ولهذا السبب كانت أنظار السوريين تتجه إلى كرد سوريا لبدء انتفاضة سورية كبرى ، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي بدايات عام 2011.
في هذه المضامين الفكرية والسياسية يبحث مؤلف كتاب “الكرد والحراك الديموقراطي”- الدار العربية للعلوم ناشرون 2013- فاروق حجي مصطفى، في مشاركة الكرد في الحراك السوري الديموقراطي، ويبين أن الحركة الكردية كانت السباقة من بين التنظيمات السورية التي تبنت الديموقراطية، فقد حمل اسم أول تنظيم كردي مفردة ديموقراطي في وقت كانت كل الأحزاب تحمل في أسمائها مفردات مثل القومية أوالاشتراكية.
وبرأي المؤلف فان ذكر هذه المفردة كانت له دلالات وان لم يدركها انذاك معظم مناصري هذا التنظيم، إلا أن قيادة التنظيم وخصوصا الدكتور نور الدين ظاظا كانت تعرف معنى الديموقراطية والارتباط العضوي العميق بينها وبين القضية القومية للشعب الكردي في سورية.
فالحركة الكردية تأسست بالأساس لأجل بناء عقد اجتماعي جديد ، بعد ما انصبت معظم سياسات حكومة الوحدة عن قصد أو غير قصد، في زعزعة ذلك العقد، خصوصا في المناطق الكردية.
يبدأ المؤلف كتابه بالحديث عن نشوء أول حزب كردي عام 1957، فيشير إلى أن الكثيرين من أعضائه كانت لهم ممارسة سياسية سابقة في تنظيمات سورية كالحزب الشيوعي السوري مثلا، وكانت لأغلب قياداته باع في السياسة والنضال من خلال مشاركتها في الثورات الكردية سواء أكانت في كردستان تركيا أو كردستان العراق، كما ان هذا الحزب الوليد جاء بعد مخاض شهد فيه المجتمع الكردي تأسيس جمعيات كجمعية “خويبون” 1927، ومجلات باللغة الكردية كمجلة هاوار ( الصرخة ) 1932 واندية رياضية كفريق كردستان في حي الاكراد (ركن الدين – حاليا – ) بدمشق.
ويرى المؤلف أنَ ذروة التطور في الحركة الكردية ( في سورية ) قد جرت عند تقارب الأحزاب الكردية والعربية مع بعضها بعضاً، والفضل يعود إلى الدور الذي لعبته لجان إحياء المجتمع المدني، والشخصيات الديموقراطية في الوسطين العربي والكردي، فضلا عن الدور الذي لعبته المنتديات، والذي كان دافعا قويا للقوى الكردية للخروج من إطارها القومي الخاص نحو العام السوري، وكانت نقطة التحول مع دعوة منتدى ” الأتاسي” إلى عقد ندوة حول المسألة الكردية في سورية في العام 2002، الأمر الذي مكن من تلاقي جماعات أهلية وسياسية سورية مع الأحزاب الكردية في الشؤون والشجون، وهذا التحول شكل الأرضية لتفاعل القوى السورية، مثل أنصار حقوق الإنسان والتجمع الوطني الديموقراطي، الذي يضم في عضويته أحزاباً معارضة بارزة في سورية ويدخل في طور التلاحم الكردي العربي، وهذا ما شاهدناه في البيانات السياسية والحقوقية والتي أثمرت فيما بعد نشاطات مشتركة كان أهمها الاعتصام المشترك أمام رئاسة مجلس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10-12-2003 ، والإعتصامات التضامنية الأخرى في حلب خلال محاكمة النشطاء الأربعة عشر أمام المحكمة العسكرية بحلب ، وفي الاعتصام الذي كان سيحدث لولا منع السلطات الأمنية وسط دمشق بمناسبة يوم المعتقل في سورية في (21-6-2004) .. الخ وهذه النشاطات كان من شانها أن تخلق أرضية تفاهم مشتركة لطرح الآراء والتطلعات، وهو ما ساهم في تقريب الحركة إلى عمق فعاليات مؤسسات المجتمع المدني والأهلي (لجان إحياء المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان)
يقول المؤلف: ومن هشاشة الوعي السياسي وقصر الرؤى أن نعتقد أن الكرد سوف يكونون خارج إطار التغيير أو يكونون من دعاة التدخل الخارجي في الشأن السوري الداخلي، وغيره لأسباب كثيرة أهمها:
أولا: علاقة الكرد بالسياسة من جهة اليسار تاريخيا، وهذا يجعلهم غير واثقين من جدوى الحديث عن الدور الخارجي لصالحهم، هذا التدخل لو حدث سوف لن يكون عاملا مساعدا على بناء دولة الشراكة بقدر ما سيعمل ضمن إطار المصالح.
ثانياً: علاقة الكرد بالتاريخ السوري حتى الآن أكدت هذه الوطنية التي بدأها كثيرون أمثال يوسف العظمة وإبراهيم هنانو، ولم تنته حتى اليوم، لأن أساساتها الاجتماعية الاقتصادية كانت تتعزز باستمرار، (اختلاط، زواج، صداقات، علاقات تجارية صناعية وتفاعلات ثقافية وحضارية بين ألوان الطيف السوري).
ويشير المؤلف إلى إعلان المجلس الوطني السوري “الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية في سوريا “وتتألف من تسع نقاط ترسم صورة واضحة لوضع الكرد في سوريا المستقبل، وثمة من يرى أنَ الوثيقة جديدة وإن التزمت كل الأطراف بها، لها أهمية كبيرة، ومرد ذلك سيعود إلى: اتفاق القوى الموقعة عليها على أساس الالتزام ببرنامج الثورة السورية، ممثلا في العمل على إسقاط النظام الحالي وبناء سورية المدنية الديموقراطية، وتوحيد الجهود السياسية والميدانية، وبناء شراكة وطنية فاعلة، كما تعد الوثيقة تطبيقا لوثيقة العهد الوطني بين أطياف المعارضة ومكملة لها.
هذان العاملان من شأنهما فتح الآفاق صوب بلورة صيغة تلاحم جديدة مرتقية إلى مستوى تطلعات الثورة التي تلتهب منذ أكثر من ( سنتين ) جارفة جسد النظام المتهتك بالفساد والقمع، ولأنها تقارب تطلعات الكرد وحقوقهم القومية.
الكتاب يعالج الحالة الكردية وتفاعلها مع المستجد السوري الثوري، وهو موضوع أضحى ساخنا وحساسا ومهما في آن، في ظل التطورات السورية الجديدة والاستعدادات لمؤتمر جنيف 2 التي تجري على قدم وساق، رغم ضعف الثقة بانعقاده ونجاحه.
مراجعة: حواس محمود
المستقبل