بنادق للإيجار: هدوء ما قبل انفجار عاصفة المفخخات الجهادية: بشار العيسى
بشار العيسى
من يومين اعترف احد عملاء السلطة السورية الايرانية بخبث بانه منذ الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003، حدث اتفاق (جنتلمان) مع القاعدة بان تكون سوريا مَمرّا للقاعدة وليس مقرّاً لإشغال الامريكان في العراق عن سلطة الاسد، واضاف بغير حياء لكن سورية يبدو صارت مقرا وممراً. يقصد منذ انطلاقة ثورتها.
كل السوريين يقرّون بصحة الاتفاق بين السلطة والقاعدة ولا تغيب عنها أصابع ايران التي غدت حاضنة وممر للتحكم بآليات الصراع بين القاعدة وأمريكا من افغانستان الى سوريا واليمن والسعودية ولبنان. فالسلطة وايران استخدمتا القاعدة تحت بصر وسمع الامريكان الذين لا يمكن ان تغيب عنهم هكذا اتفاقية وتنسيق الادوار، فالشارع السوري كان يتحدث منذ 2003 عن قوافل الشباب السوري السني من الحاضنة السلفية، الذي كان رجل السلطة “ابو القعقاع” بشحنهم الى العراق (خمسة آلاف ليرة سورية وجواز سفر) ورميهم خلف الحدود عبر الفلوجة من بوابتي “بوكمال” و”تل كوجك” بإشراف الامن العسكري السوري اليقظ وقيادة علي مملوك المباشرة بوثائق “ويكيليكس”، وكان السيد عبد الحليم خدّام يشرف بنفسه على ترتيب الحاضنة السنّية العشائرية العراقية إذ كان يستقبل كل اسبوع وفدا من عشائر العراق على شاشة الفضائية السورية يحشدهم لحماية السلطة السورية باحتضان ذراعها الارهابي القاعدة في أرض العراق. لكن خدام (المعارض) مازال يخفي بإصرار عنيد كل ما يعرفه عن خفايا ترتيبات السلطة تلك، التي كان شريكا نشطا فيها.
قامت فلسفة الاجهزة الامنية للسلطة السورية في رَفد ودعم القاعدة على ان العملية مزدوجة الفائدة:
ـ من جهة تقوم باختراق منظومة للقاعدة بعناصر عالية الجاهزية للأمن السوري الايراني للاستثمار في الزمان والمكان حيث يقتضي الامر والمصلحة.
ـ التخلص من الشباب السوري المتدين الغاضب (كاحتياطي الصراع في الداخل) تجنيدهم الى جبهات خارجية للموت بالتخلص منهم واشغال الخصوم الخارجيين الوقتيين.
ـ كشفهم الحاضن المنتج للمتطوعين والتغلغل فيه بعناصر من أئمة المساجد ومدارس حفظة القرآن الأمنيين ، ويتم قتل كل من يعود منهم حيا من جبهات الجهاد كما حدث لمعلمهم ابو القعقاع و كما حدث لفتح الاسلام لاحقاً، والسباق الى اعتقال من لديه هكذا رغبة ( الجهاد) وما زالت سجون الأسد تنام على مجموعات ابو القعقاع يخرجون في دفعات الى الجهاد المتطرف للتخريب وللمطلع مازالت عملية شحنهم تتم وهم داخل السجون لصالح السلطة.
رغم ان المجتمع السعودي بتركيبته الدينية المالية العشائرية والاحتقانات المتراكمة، كان المموّل الاساسي لأنشطة القاعدة عبر ممولين (تجار مستثمرين ومشيخات وهابية) يجلسون على أطنان من المال والذهب تجاهد بالمال تكفيرا عن موبقاتها، في فوضى تراخي وتكلس وتكرش السلطة السعودية وصراعاتها الداخلية التي عجزت على مدى ثلاثين سنة الاخيرة في ان تكون اكثر من مفسدة و خادم امريكا والمصالح الاسرائيلية ومقاول بالباطن منذ سنة 1977 لزعرنات وعربدة السلطة السورية وألاعيبها برشى متعددة ( نساء استثمارات وأدوار وجاهية مؤقتة) لأمراء بغير تجربة، يسيطرون على قرارات آبائهم .
لقد انتصرت سلطات سوريا وايران على امريكا في العراق حين اصبح همّ الادارة الامريكية في عراق ما بعد صدام حسين تحقيق انتصار وهمي ما، وقد تبين لها ان جلّ عملائها ( الجلبيين والجعفريين) الذين ركبوا مقدمة دبابتها الداخلة بغداد، كانوا عملاء ايرانيين في بيتها الداخلي ادى الامر بها في النهاية: تهدي ايران سلطة صدام الذي اسقطته بمليارات الدولارات مقابل فتوى من المرجع الشيعي” السيستاني” بعدم التعرض لقواتها العاملة في العراق.
خرجت امريكا من العراق محملة بخسائر (مئات المليارات) مقابل انتصار شكلي ل “الصحوات” العشائرية التي رعايا السفير روبرت فورد (حامل اختام المفخخة الاخرى في المعارضة السورية )على بقايا القاعدة التي خرجت الى ساحات أخرى لمهمات لأخرى بعدما انجزت المطلوب منها في العراق، هذه الصحوات التي تضطر اليوم ان تتمرّد في لحظة اختناق كسيرة على عسف المالكي الايراني السوري.
للعاقل السَّوي: ليست القاعدة وأماراتها أكثر من وريث طبيعي لبندقية أبو نضال (البندقية الجاهزة للإيجار) في الحيّز الفلسطيني ومشروعه الوطني ، فتح عرفات، الذي صار هدف حربة وشعيرة بندقية ابو نضال ومموّليه.
لم يفعل الاثنان ، كل حسب قدراته بفارق نسبي، أكثر من مشاغلة الشعوب وتشتيت يقظتها لتسهيل مرور ” أحصنة طروادة” غيرَهم، الى البيت الداخلي.
انطفأت فقاعة أبو نضال الثورية، حين تمّ تجهيز حركة حماس لمواجهة عرفات وفتح والسلطة الفلسطينية بقضم الارض من تحت اقدامهم.
تلعب القاعدة هذا الدور بذات البندقية المأجورة ( ثورياً) بيافطة سوداء دينية استشهادية متطرفة تسهل عبور احصنة طروادة ايران ومفرّخات الامن السوري وباقي اللاعبين المقتدرين وها هم يقدّمون للسلطة السورية مفخخة باسم “جبهة النصرة” وابو محمد الجولاني والبغدادي وقبلهما مشايخ السلفية الاردنية بعقل وشماخات هاشمية حمراء، بغية شيطنة الثورة السورية لصرف الانظار وتفتيت الجهود ( في لحظة تنامي الدمار وعمليات القتل الجماعي والتصفية السكانية وانصراف المجتمع الدولي لغاية أكثر شيطانية عن حماية الشعب السوري) لحين ما يتم محاصرته ودفعه الى اليأس والقنوط للإجهاز على حلم نبيل بالحرية والكرامة الوطنية والانسانية ومعارضته الطربة تتجول في غير وادي الثورة ومصلحة الشعب السوري ومأساته . وما دور امريكا والسعودية وتركيا وايران وتوابعها سوى الديكور لهذه القنابل الموقوتة لتتفجر في وجه الثورة والمشروع الوطني السوري للتخلص من سلطة الاستبداد والموت والدمار وشياطين ايران وروسيا واسرائيل.
هذا الصمت المريب والحصار القاسي على الشعب والثورة السورية يشبه هدوء ما قبل انفجار عاصفة هذه المفخخة الجهادية الدخيلة على الشعب والثورة السورية بغية لجم الشعوب على التمرّد على سلطات اخرى بتفتيت وتمزيق سوريا، ليس الى مكونات طبيعية تشكلت منها سوريا عبر التسعين سنة الاخيرة لكنها تريد تحويل سوريا الى مقبرة جماعية لكيانات قزمة لكل ما هو نبيل ونشط في شرق المتوسط.
تتدمر سوريا وتصبح قطر امبراطورية وتتعكّز السعودية على خثرة شيعية في مؤخرتها المتورمة وتتصالح تركيا المتأسلمة مع اسرائيل وتتشيطن ايران احمدي نجاد بضحكة خبيثة في عزاء الشعوب.